شذى سالم والسينما العراقية لقاء صحفي

نشأت شذى سالم في بيت فني، ودخلت عالم الفن عندما كانت طالبة في معهد الفنون الجميلة عام 1975 فكان ذلك التاريخ بدايتها الحقيقية التي ارتقت من خلالها سلم النجوم، واستطاعت تأكيد حضورها لاكثر من ثلاثة عقود على الشاشة الصغيرة وخشبة المسرح، وشاشة السينما،

ليس في العراق فحسب بل في العالم العربي كذلك من خلال تجربتها المشتركة مع كبار الفنانين العرب، كما حصدت العديد من الجوائز والشهادات، وشاركت في الكثير من المهرجانات المحلية والاقليمية والدولية، تمكنت من الموازنة بين الاداء الراقي وحب العلم، واستطاعت ان تكون امتدادا لوالدها الفنان الكبير طه سالم من ثم قدوة لشقيقتها وشقيقها سهى وفائز سالم ولا تزال مستمرة بعطائها ونجاحها وتألقها الفني والعلمي.
”الصباح “ التقت الدكتورة شذى سالم الاستاذة في اكاديمية الفنون الجملية وحاورتها عن هموم وتطلعات السينما والسينمائيين العراقيين، فكان هذا الحوار.
* هل لك أن توضحي لنا مميزات السينما العراقية خلال مراحل تطورها وماهي المعوقات والمحطات المضيئة في هذه المسيرة؟
- لم اعاصر السينما العراقية في بدايات تأسيسها، رغم ان الفن السينمائي في العراق بدأ متأخرا ومن الملاحظ ان الجمهور او المتلقين كانوا يميلون الى الفن المسرحي في تلك الفترة، لذلك فان الوسط الفني في العراق هو مسرحي وليس سينمائيا او تلفزيونيا، وامتازت تلك الفترة بانتاج افلام”علي وعصام، سعيد افندي، الحارس” وغيرها من الافلام القديمة التي تعرضها”حتى الان “ بعض الفضائيات على انها من التراث السينمائي العراقي، لكن السينما العراقية لم تستطع ان تطور نفسها كثيرا الا خلال فترة الثمانينيات اذ نشطت فيها حركة السينما العراقية بشكل جيد وظهرت اسماء لامعة مثل محمد شكري جميل وعبد الهادي الراوي، وعبد الهادي مبارك، وكارلو هارتيون بالاضافة الى الاستعانة بمخرجين عرب مثل صلاح عبد سهيل وفنانين عرب، بعد ذلك اخذت السينما العراقية طريقا اخر عندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية وصارت بعض الافلام تتحدث عن الحرب ورجال الحرب وحياة الحرب وامتازت السينما، حينها، بكونها تعبوية اكثر مما هي اجتماعية توجيهية ممكن ان تقدم اعمالا اجتماعية او تأريخية او كوميدية.
وبالرغم من ذلك نرى ان السينما انتجت افلاما كوميدية واجتماعية جيدة مثل 6/ 6 وغيرها من الافلام، واتسمت تلك الافلام بتألق الكثير من الفنانين مثل راسم الجميلي وسناء عبد الرحمن وقاسم الملاك، لكن للاسف توقفت السينما العراقية عند هذا الحد، وطغى عليها الانتاج التلفزيوني وبدأ يقل الاهتمام بالفن السينمائي وكذلك السينمائيين والسبب في ذلك هو تغير المسار السينمائي كما قلنا سابقا وكذلك قلة الفنيين السينمائيين والاجهزة والمعدات السينمائية بالاضافة الى ان الفنان العراقي بدأ يستسهل العمل التلفزيوني ويفضله على السينمائي، بحيث عجلت تلك الامور من نهاية الفن السينمائي في العراق، ولم تظهر ابدا في تلك الفترة اية محاولة لانتشال الفن السينمائي والسينمائيين.
واذا مااردنا بناء سينما عراقية جديدة فلابد ان نبدأ بالجوانب المهمة في هذا الفن، كتوفير الملاكات الفنية والهندسية، وتدريبها بشكل جيد لتواكب حركة التطور والتكنولوجيا التي تعيشها صناعة السينما في العالم، وكذلك وجود كل الاجهزة والمعدات والتقنيات السينمائية لان الموجود منها الان قديم ومتهالك، اذا كان في احسن احواله، اما بقية الاجهزة فهي عاطلة ولا تصلح لانتاج اي فليم، بمعنى ان يتم توفير كل المستلزمات الضرورية والاجهزة المتطورة خاصة وان العالم الخارجي الان قطع شوطا كبيرا ومهما في مجال تكنولوجيا انتاج الافلام اوصناعتها.
اما المحطات المضيئة في مسيرة السينما العراقية فهي كثيرة حيث عملنا افلاما ممتازة وشاركنا بمهرجانات عالمية وحصدنا جوائز مهمة، وشهادات تقديرية دولية فمثلا شارك فيلم”القادسية “ في مهرجان موسكو ومهرجان كان ومهرجان كارلو بيفاريو، وقد اشاد الكثيرون باداء الفنانين العراقيين وهناك الكثير من المحطات المضيئة لكن مع الاسف لم يستمر هذا التوهج طويلا ولم يتقدم ويتوسع بل تراجع هذا الفن السينمائي في العراق,
*ماهي برأيك الخطة او الستراتيجية التي يمكن ان تنهض بالسينما من حيث السيناريو والتمثيل والإخراج والتأليف والترويج إعلاميا، لتأخذ السينما العراقية موقعها بين التجارب السينمائية في الدول المجاورة على الأقل؟
- في البداية يجب القول بان هناك مشكلة ازلية في العراق، وهي اننا لا نستطيع ان نصنع النجوم، على عكس سوريا ومصر التي استطاعت ان تصنع الكثير من النجوم عن طريق الدعاية او الفن الدعائي، والعراق للاسف لا يملك هذا الفن او لم يدرجه ضمن اولويات صناعة السينما، مع العلم ان لهذا الفن قواعد واصول واعتبارات خاصة، وهناك الكثير من المؤسسات التي تدرس هذا الفن في الخارج فلو كنا نمتلك قواعد واساسيات هذا الفن لاستطعنا ان نرتقي بالفن السينمائي في العراق الى مصاف متقدمة، ولسنا نفتقر الى هذا الجانب فقط، بل الكثير من الجوانب التي جعلت الفنان العراقي يبدو وكأنه مسلوب الحق او مظلوم وعليه لابد ان تقوم قنواتنا الاعلامية بمختلف اشكالها ومسمياتها بالعمل على ابراز ابداع الفن والفنان العراقي باسلوب معين، بحيث توصل الفنان العراقي عبر تلك الدعاية او التغطية الى المكانة التي يستحقها.
سابقا كانت هناك قناتان للتلفزيون العراقي فقط، وكانتا تهمل كل اخبار الفنان العراقي، كفوزه بجوائز او حصوله على شهادات او مشاركته في مؤتمرات ومهرجانات او دعوته لحضور الفعاليات الفنية العالمية المختلفة وغيرها من الامور الدعائية اما الان فاننا نلاحظ بعض القنوات رغم كثرتها، تهتم بالفنان العراقي وتتابع باهتمام انجازاته ومسيرته بل تتسابق على نشر او بث آخر اعمال الفنانين العراقيين وآخر ما توصلوا له من ابداع وتألق.
واعتقد ان مثل هذه الدعاية مهمة جدا في الوقت الحاضر، واحدى سبل النهوض بالواقع السينمائي العراقي، اما عن ستراتيجية النهوض بالسينما العراقية فيجب ان يضعها اناس متخصصون في هذا المجال ولهم باع طويل وتجارب مختلفة، ويجب ان نبدأ اولا باقامة دورات للشباب خريجي المؤسسات الاكاديمية الفنية، بهدف تطوير قابلياتهم وتنمية افكارهم واطلاعهم على تفاصيل صناعة السينما العربية والعالمية ومنحهم فرصا اكبر لان يبدعوا، وهذا افضل من ان نسمع بالكثير من الشباب السينمائيين العراقيين في الخارج وهم يقدمون اعمالا جيدة ومبدعة ويحصلون على جوائز كبيرة ومفرحة وكل ذلك يقدم باسم العراق من دون ان يقدم لهم الرعاية والاهتمام والدعم، وكأنهم بذلك يقدمون كل ما هو مشرف للعراق ولشعبه الصابر من دون ان يكلفهم احد بذلك باستثناء حبهم لوطنهم وانتسابهم لتاريخ الفن في العراق، اذن يجب ان نبدأ بتلك الطاقات وان ننميها وندعمها بكل الوسائل، المسألة الثانية والمهمة للنهوض بالسينما هي توفير الدعم المادي والمعنوي وتخصيص مبالغ او ميزانية خاصة لقطاع السينما بهدف توفير كل المستلزمات الحديثة لهذه الصناعة، حينها سنحصل على نتائج ممتازة وخطوات جادة ومشاريع كثيرة بانتظار السينما العراقية.
* كانت ولا تزال صناعة السينما تعتمد على القطاع الخاص والاستثمار الفردي”الشركات“ وما زلنا نعلق فشل السينما على القطاع السينمائي العام، كيف يمكن حل هذه الإشكالية؟
- لا يمكن القول بان القطاع العام قد اساء للسينما او التلفزيون، ومر القطاع العام بفترات جعل فيه انتاج الكمية يكون على حساب النوعية، اي ان المنتج يسعى للعمل بوقت اقل مما هو متوقع او ما هو مخصص له، مثلا اختزال فترة انتاج مسلسل ما او فيلم من ثلاثة اشهر الى شهر واحد وهكذا بالاضافة الى ان المنتج يعمد الى دعوة الممثلين الاقل اجرا الى العمل بهدف التقليل من تكاليف الانتاج، ولا يعمل على انجاح العمل برفده بممثلين اكفاء واصحاب حضور متميز، وهذا ما اثر على الحركة السينمائية وحتى الدراما التلفزيونية في هذا المجال، ويجب على المحطات الرسمية”الحكومية “ ان تتبنى انتاج الافلام والمسلسلات على اعتبار ان الميزانية العامة افضل بكثير من الميزانية الخاصة، والعمل مع القطاع العام افضل من العمل مع القطاع الخاص، بحيث يستطيع المخرج ان يعمل من دون سقف محدد والميزانية اكبر ويتحرك بحرية اكثر وبالتالي يمكن ان يبدع اكثر باختياره للممثلين والمواضيع، لذا انا ادعو شبكات الاعلام العراقي ان تهتم بالفن السينمائي ومثلما هناك انتاج تلفزيوني فيجب على الاقل ان يكون هناك انتاج سينمائي ولو كان قصيرا.
* كيف تقيمين الإنتاج السينمائي المشترك، خاصة وانك عشتي هذه التجربة، وهل يمكن اعتبار هذا الإنتاج علامة تطور في تاريخ السينما العراقية، وكيف يمكن الإفادة من الإنتاج المشترك في هذه المرحلة؟
- العمل تحت مظلة الانتاج السينمائي المشترك هو عمل جميل ومفيد في الوقت نفسه، لان هذا العمل يوفر فرصة الاطلاع على مواهب وافكار وآراء الجانب المشترك معه في العمل واقامة علاقات طيبة ومثمرة مع الفنانين العرب، فانا لازلت على علاقة طيبة مع الفنانين عزت العلايلي، نور الشريف، حسن الجندي، محمد المنصور، وغيرهم.
ويتسم العمل المشترك بالانتشار الواسع لانه يعرض في اكثر من بلد، سواء أكان عربيا ام اجنبيا، مثلا فيلم الرسالة لمصطفى العقاد مازال يعرض الى الان في كل بلداننا العربية وهذا ما يجعل المشاركون فيه يحصلون على شهرة اكبر في البلدان الاخرى التي تعرض نفس الفيلم، وانا اعتقد ان العمل المشترك بين الفنانين العرب والعراقيين سيجعل من الفنان العراقي اكثر ابداعا وتألقا.
واشاطرك الرأي بخصوص الافادة من هكذا اعمال في هذه المرحلة، لاننا نحتاج الى فرص كهذه، فمثلا في مهرجان البندقية الذي اقيم مؤخرا في ايطاليا سمعت ان اغلب الاعمال المشاركة في المهرجان هي عن الحرب في العراق، وكيف اصبحت وماهي نتائجها و ما هو واقع الحال الان في العراق، والمفارقة هي ان كل الافلام المشاركة عن هذه المواضيع تخلو من الفنانين العراقيين ولا توجد اية مشاركة عراقية سواء كانت خالصة او مشتركة، فلو كنا مشاركين بعمل خاص عراقي لنال جائزة، ولو كانت الفنان العراقي مشارك باحد هذه الافلام لنال جائزة ايضا،
اذن يجب ان لا تغيب هذه الفرص والاعمال العالمية عن اذهان الممثل العراقي والمنتج العراقي والمخرج العراقي وشركات الانتاج العراقية، والفضائيات المحلية لانها محافل دولية مهمة ممكن ان نحصد من خلالها على الشيء الكثير لان عالم الفن لا يمكن له ان يتخطى الفنان العراقي ابدا وانا مسؤولة عن هذه الكلمة.