مدارس العراق تعاني من الإهمال واثارالحرب
17 أكتوبر 2004 أكدت أول دراسة شاملة أجريت لوضع المدارس في \"عراق ما بعد الحرب\" أن آلاف المرافق المدرسية تفتقر إلى المستلزمات الأساسية اللازمة لتوفير التعليم اللائق لأطفال العراق.
وتظهر الدراسة ، التي اطلقت نتائجها هذا الأسبوع وزارة التربية العراقية، أنّ ثلث المدارس الابتدائية في العراق تفتقر تماما إلى مصادر تجهيزالمياه، وأن حوالي نصفها لا توجد فيه مرافق صحية على الإطلاق.
واظهرت الدراسة ان المحافظات العراقية الأكثر تضررا هي ذي قار وصلاح الدين وديالى، حيث إن أكثر من 70 بالمائة من مباني المدارس الابتدائية فيها اما أنها تفتقر تماماً إلى مصادر تجهيزالمياه، او أن شبكة المياه الموجودة فيها معطّلة عن العمل.
وكشفت الدارسة أيضاً أنه برغم كل الصعوبات، فإن معدل الالتحاق الكلي بالمدارس ارتفع ارتفاعاً كبيراً خلال العام الدراسي 2003/2004. ولكن الدراسة المسحية تُظهر أيضاً أن عدد المباني المدرسية المناسبة غير كاف لمواكبة الطلب المتزايدعلى التعليم.
يلتحق الآن نحو (4.3) مليون طفل عراقي بالمدارس الابتدائية، مرتفعاً من (3.6) مليون طفل في عام 2000، وهي السنة الأحدث بالنسبة لتوافر البيانات قبل إجراء هذه الدراسة. وعلى الرغم من هذا الارتفاع، إلا أن المدارس لا تحتوي على المقاعد والكراسي المدرسية وغرف الدراسة الكافية مما اضطر الكثير من المدارس إلى مضاعفة عدد الطلبة فيها، وأصبح ربع المدارس الابتدائية كلها في العراق يعمل بنظام الوجبتين أو الثلاث وجبات في اليوم، الأمر الذي يعني خفض مدة الحصة الدراسية في كل وجبة.
ومع أن هناك في الواقع أكثر من 14.000 مدرسة ابتدائية في العراق، إلا أن عدد المباني المدرسية المتوفرة فعلياً هو 11.368 مدرسة فقط لاستقبال ذلك العدد من الطلبة الملتحقين. وحوالي 2.700 مدرسة من هذه المدارس الموجودة فعلاً بحاجة إلى عملية إصلاح وإعادة تأهيل شامل.
وقد صرَّح \"روجر رايت\"، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في العراق قائلاً: \"كان نظام التعليم في العراق واحدا من افضل اأنظمة التعليم في الشرق الأوسط. ولكننا نملك اليوم دليلا واضحا على مدى تدهور هذا النظام. ففي الوقت الحاضر، يتلقى ملايين الأطفال في العراق تعليمهم في مدارس تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل شبكات مياه الشرب أو الصرف الصحي ، وتعاني من جدران متداعية ونوافذ محطمة وناضح في السقوف . إن نظام التعليم برمته يعاني من الإرباك والأعباء.
وعزا \"رايت\" هذا التدهور الى الإهمال وضعف التمويل أثناء حقبة العقوبات التي دامت أكثر من عقد كامل، والأثر الذي خلّفته ثلاث حروب ابتداء من الحرب الإيرانية العراقية.
وتذكر الدراسة أنَّ ما يزيد على 700 مدرسة ابتدائية لحقت بها الأضرار جرَّاء القصف – ثلثها في بغداد، وأنّ أكثر من 200 مدرسة احترقت وما يزيد على 3000 مدرسة نُهِبَت في الفترة التي اعقبت مارس/آذار 2003.
واضاف \"رايت\" \"إن نظام التعليم الحالي يحرم الأطفال بصورة كبيرة من الحصول على تعليم لائق. اذ ان تردي البيئة التعلّيُمة يُسدِّد ضربة كبيرة للأطفال، في حين يُوجّه \"اليوم المدرسي المختصر\" ضربة أخرى إليهم.\"
ووفقاً للدراسة، فإن المدارس الابتدائية في محافظة البصرة هي الأكثر اكتظاظاً، حيث تشترك أكثر من 600 مدرسة ابتدائية في المباني.
وكان الدكتور سامي المظفّر، وزير التربية والتعليم العراقي، قد صرّح في بيان صدر في وقت سابق من هذا الأسبوع، قائلاً: إن الدراسة \"تشكل أكبر مصدر شامل وموثوق للبيانات التعليمية في العراق\"، وإنها ستُسهم إسهاماً كبيراً ومهماً في تخطيط أعمال إعادة الإعمار الجارية التي تقوم بها الوزارة، وفي إدارة هذه الأعمال ومتابعتها.
انخفاض معدل التحاق الفتيات لقد قامت هذه الدراسة، التي أجرتها وزارة التربية العراقية بدعم من اليونيسف، بجمع البيانات عن الطلبة، والمعلمين، وأحوال وظروف مباني رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والثانوية، ومدارس اليافعين (البديلة)، والمدارس المهنية ومعاهد التعليم العالي في العراق. وقد غطَّت الدارسة 20.000 مدرسة ومعهد.
واظهرت الدارسة أنّ من بين (4.3) مليون طفل مسجلين في المدارس الابتدائية في العراق، هناك (2.4) مليوناً من الصبيان و(1.9) مليوناً من الفتيات، وهي نسب مماثلة لما كانت عليه قبل الحرب على العراق. فالتحاق الفتيات كان أدنى من التحاق الصبيان في كل صف دراسي وفي كل محافظة . ففي محافظة واسط، بلغت نسبة الفتيات الملتحقات 39% فقط من مجموع الطلبة المسجلين. وقد سجل معدل التحاق الفتيات أعلى مستوياته في محافظتي بغداد والسليمانية، حيث بلغ أكثر من 46% من الطلبة المسجلين. وفي مَعْرض تعليقه على ذلك، قال \"رايت\": \"يتعيَّن الارتقاء بمستوى الإنصاف بين الجنسين بصورة عاجلة\".
ويعتبر الاكتظاظ، وانعدام الأمن، والافتقار إلى مياه الشرب ومرافق الصرف الصحي في المدارس الأسباب الثلاثة الرئيسة لتدنّي معدل التحاق الفتيات. ففي كل يوم، يتعيّن على المعلمين، والأطفال وأسرهم في بغداد وفي نقاط التَّماس الملتهبة الأخرى للنزاع وارتكاب الجرائم، أن يتغلَّبوا على ما ينتابهم من مشاعر الخوف جرّاء عمليات القصف والتفجير والخطف.
لقد أدت أعمال ترميم المدارس وتأهيلها، التي قامت بها شركات القطاع الخاص، ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية منذ مارس/آذار 2003 إلى تقليص جزء فقط من التحديات. فمنذ إجراء الدراسة في يناير/كانون الثاني 2004، أدى الوضع الأمني الآخذ في التفاقم إلى إبطاء تقدم العمل على تحسين المرافق التعليمية.
واشار \"رايت\" الى أنَّ \"المشكلة لاتكمن في التأخير في تحسين المباني المدرسية حسب وانما في تردِّي الوضع الأمني الذي يُعيق التحسينات المطلوبة في نوعية التعليم والتعلُّم التي تتم داخل غرفة الصف.\"
وأضاف \"رايت\" قائلاً: إنه وبالرغم من الصعوبات في العراق، فإن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ووزارة التربية والكثير من الشركاء الآخرين يواصلون العمل على ترميم المدارس العراقية وإعادة تأهيلها، واقامة دورات التدريب اللازمة للمساعدة في ضمان حصول أطفال العراق على نوعية التعليم التي يستحقونها.
خلفية قامت الحكومة العراقية بتنفيذ \"دراسة التعليم في العراق\" في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2004، وشملت الدراسة جميع المؤسسات التعليمية في القطر. ويتم نشر نتائج هذه الدراسة في ثلاثة تقارير مستقلة: الأول، يغطي البيانات الإحصائية، والثاني يتناول \"التحليل النوعي\". أما الثالث فيفصِّل النتائج الخاصة بكل مدرسة على انفراد. وقد دعمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وزارة التربية العراقية في تنفيذ هذه الدراسة بوصفها المنظمة الرائدة بين منظمات الأمم المتحدة في رعاية التعليم في العراق.