قصص حب عراقية تتحدى الموت والعنف.........حلوة والله

"الحب" كان عامل تفاؤل. اعطانا الامل بالغد لنحيا من جديد وسط ركام الخراب والنيران المتصاعدة من كل مكان وازيز الرصاص الذي اصبح يزهق ارواح العشرات من الابرياء.
بهذه الكلمات يستذكر عدي جمال المجمعي بعض تفاصيل قصة حبه التي كانت بلسماً لجراحاته الكثيرة التي اصابته في مرحلة العنف، التي لم يسلم منها منزل او عائلة في اغلب مناطق محافظة ديالى.
المجمعي يسرد بعض فصول قصة حبه لفتاة كانت زميلة له في احدى كليات جامعة ديالى عام 2005 اراد ان تكون شريكة حياته ويبني معها عائلة سعيدة تعيش بسلام وامان لكن رياح الطائفية جاءت سريعا لتخيم على العقول والافكار ويصبح القتل على الهوية ديدن الكثيرين من الضعفاء في المنطق والتفكير لتزهق ارواح الابرياء بدون وجه حق.
كان المجمعي يسكن قرية زراعية تقع الى جنوب مدينة بعقوبة حيث بدأت تبرز فيها ملامح التطرف على المنحى الطائفي بشكل خطير، وانخرط في دوامة العنف الكثير ممن يعرفهم فكان الامر عاصفة كبيرة لا يمكن الوقوف امامها، حتى انه ادرك انه اول من سيحترق بدوامة العاصفة لان من احبها وخطبها من اهلها تنتمي الى مذهب آخر وبدأت حينذاك تتصاعد الاصوات الرافضة لحدوث الزواج؛ حتى وصل الامر الى ان تأتيه رسالة تهديد من تنظيم القاعدة تشير فيها (لايجوز الزواج بين السنة والشيعة ومن تزوج امرأة شيعية فعليه ان يطلقها فورا والا تعرض الى العقاب) كانت الاصوات جميعا تطالبه ان لايفكر بمن احبها لان ذلك يعني نهاية مأساوية له على يد المتطرفين.
ويكمل المجمعي قوله: رغم الضغوط الكبير التي فرضت علينا من قبل الجماعات المسلحة المتطرفة هنا وهناك ومشاهد الدمار في كل مكان لكن بقى قلبي ينبض بالحب لتلك الفتاة وشعرت اننا سوف نلتقي من جديد.. وفعلا بعد عامين تقريبا جمعتنا الاحداث ثانية. كنا نحن الاثنين مصابين بجروح كثيرة، لكننا تحملنا واقعنا المرير وصمدنا واخيرا تزوجنا وبدأنا نبني مستقبلنا القادم.
وانا الان ادون ما مررت به من تجربة قاسية اعتبرها كانت اختبارا حقيقيا وقاسيا لنا واخيرا ادركنا اننا العراقيون لايمكننا ان يعيش احدنا بعيدا عن الاخر فهكذا هو العراق منذ قديم الزمان مؤلف من القوميات والمذاهب المختلفة التي تشكل شدة ورد جميلة غناة تسر الناظرين اليها وتغيض الحساد.

الضابط العاشق
اما كريم عبد جلال فهو ضابط بالاجهزة الامنية برتبة ملازم فكانت قصة حبه تحوي الكثير من الغرائب اذا كان مكلفا مع عدد اخر من افراد الشرطة في الخروج بدورية امنية لتوفير حماية لمنطقة السوق في مدينة بعقوبة منتصف عام 2006 وكان موعد انطلاق الدورية في ساعة متأخرة من الليل وما ان تم الوصول الى عمق منطقة السوق حدث انفجار كبير اسفل الدورية لم يشعر سوى بلهب ونيران كثيفة واجساد بشرية مقطعة من حوله وهو مصاب بيده ورأسه بجروح متوسطة مرمي على مسافة امتار قليلة من الدورية التي تحترق بالنيران نتيجة الانفجار الكبير وما هي الا لحظات حتى بدأت تتدفق من كل جانب عناصر ملثمة مدججة بالسلاح وهي تطلق النار بكثافة لذا حاول جر نفسه والهرب وتمكن من لملمة قواه والقفز من فوق جدار منخفض الى حديقة منزل سكني لغرض الهروب من المسلحين وعندئد فقد الوعي لكنه افاق على اصوات اطفال صغار من حوله ورجل مسن يبارك سلامته لم يعرف ماذا حصل لكنه ادرك انه نجا من الموت باعجوبة.
ويكمل كريم سرد فصول قصته قائلا: ان العائلة عاملته احسن معاملة لايام عدة ولم تبلغ بوجوده لان الجماعات المسلحة كانت تهيمن على المنطقة اي بمعنى انه تحت سيطرتها ويمكن ان تقتله ان وجدته خارجا من المنزل. والامر الاخر ان إخفاء عنصر من الشرطة يعد جريمة كبيرة بنظر الجماعات المسلحة لذا سيتم معاقبة العائلة بقسوة وتهدر دماؤهم لذا اضطر صاحب المنزل الى العناية به دون ان يشعر اي من الجيران بوجوده معهم.
كان كريم يشعر بشيء بداخله ان حبا جديدا بدأ يتدفق الى قلبه وهناك فتاة جميلة كانت تكثر الاعتناء به احس انها قريبة الى روحه عرف اسمها وبقت عالقة في ذهنه حتى عندما عاد الى ثكنتة الامنية بقي يفكر بها وفي خضم مرحلة العنف نادت احدى الدوريات عن قيام مجموعة مسلحة بقتل رجل طاعن بالسن في منطقة السوق شعر انه يعرف الرجل وعندما عرف الاسم عرف انه صاحب الدار الذي حماه من المسلحين قبل اشهر لذا تقدم بنفسه واشهر سلاحه مسرعا لحماية اسرة ذلك الطاعن بالسن وفعلا تمكن من الحفاظ على ارواح عائلته وانقاذهم في اللحظة المناسبة قبل ان تفتك بهم الوحوش البشرية واخذهم الى منزل اسرته في قرية زراعية في اطراف ناحية جديدة الشط ليعيشوا بامان هناك ليرد الجميل لتلك الاسرة كما انه عقد قرانه على تلك الفتاة التي كانت يوما ما تداوي جروحه.

أبناء بلد واحد
اما سلمان عبد الجليل الذي يعمل مدرسا في اطراف ناحية بين سعد جنوب غرب بعقوبة فهو شاب تزوج قبل اشهر معدودة من انسانة احبها كثيرا بعد انتظار دام سنوات عدة بسبب العنف الطائفي وهو يقول: ان زواجنا دليل على انه لا فرق بين المذاهب او القوميات فكلنا ابناء بلد واحد وزواجنا ابلغ رسالة توجه لكل الاجندة التي ارادت تمزيق وحدة البلاد.

بالحب نقاتلهم
ويكمل سلمان قائلا: ان فترة خطوبته كانت طويلة ولاقى خلالها الكثير من المعاناة والالم لكنه لم يستسلم وبقي على العهد الذي قطعه لخطيبته بالزواج مشيرا ان عائلة خطبيته ارغمت على الرحيل من منزلها في الاحياء الشرقية لمدينة بعقوبة قبل نحو ثلاثة اعوام وفق دوافع طائفية كانت تنتهجها الجماعات المسلحة المتطرفة من اجل زرع الفرقة بين الاهالي وعادت العائلة مؤخرا بعد استقرار الاوضاع الامنية لتتم الفرحة وتجتمع عائلاتنا رغم ان اثار ما الم بها من العنف لا تزال شاخصة في قلوبنا مبينا ان الجماعات المسلحة على اختلاف انتماءاتها كانت ترى في اماتة الحب امرا هاما لذا كانت تحرم الارتباط بين القوميات والمذاهب لان الامر يشكل خطرا عليها والكثير من الاشخاص قتلوا لانهم رفضوا مبادئ الجماعات المتطرفة.
لا فرق بيننا
اما جليل وهاب الذي يعمل عامل في مطعم شعبي في قضاء المقدادية شمال شرق بعقوبة فقد انتظر فترة خطوبة استمرت اربع سنوات متتالية لكي يعقد قرانه على من احبها عندما ارغمت على الرحيل مع اسرتها بعد اشتداد العنف الطائفي الى منطقة اخرى خارج القضاء لكنها عادت مؤخرا الى منزلها مع اسرتها بعد استقرار الاوضاع الامنية لتتم الفرحة المنتظرة وهو يقول لا فرق بين سني وشيعي فكلنا اخوة واقرباء لكننا الان في امس الحاجة لاعادة اللحمة الى مجتمعنا وتأكيد وحدته لان مؤامرات الاعداء لم تنته بعد.

سعداء
اما تحسين عبد الرحمن شاب في نهاية العقد الثاني من عمره عقد قرانه للتو في محكمة بعقوبة من فتاة تختلف عنه مذهبيا وقوميا وهو يقول هذا سر جمال العراق اننا نعيش اسرة واحدة فزوجتي شيعية ومن القومية الكردية وانا سني وتجد اني اخترتها من بين نساء الارض لاني اعلم اني اجد السعادة معها فنحن اسرة واحدة ان شاء الله.

قصة حب مأساوية
لكن ليس جميع قصص الحب انتهت نهاية سعيدة فكانت قصة الشاب صلاح مأساوية بمعنى الكلمة وتدمي القلوب وبقت شاهدا على مرارة ما سببه العنف من احداث اليمة لاتزال مختزنة في ذاكرة الكثير من ابناء مدينة بعقوبة.
فالشاب صلاح هجر مع افراد عائلته بسبب تهديدات الجماعات المسلحة الى العاصمة بغداد لكن قلبه بقي معلقا بمحبوته التي احبها كثيرا وعندما علم انها قتلت في خضم اعمال العنف سارع الى مدينة بعقوبة رغم انها كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة لكن الامر لم يعن له شيء وجاء ليقع في قبضة الجماعات المسلحة التي كانت تنصب السيطرات الوهمية قبيل الوصول الى مركز مدينة بعقوبة وتم قتله ليدفن على بعد امتار من قبر محبوبته لتسرد حولهما الكثير من الحكايات التي تدلل على قوة الحب الذي وقف بوجه اصعب الظروف.
فيما يشير كريم العزاوي رجل دين ان الاعداء ارادوا ان يبعدوا السني عن الشيعي والعربي عن الكردي والتركماني والمسلم عن المسيحي لان تلك المذاهب والقوميات والديانات تمثل باقة وردة جميلة تعبر عن جمال العراق لذا فاننا من اول الداعمين لفكرة الزواج بين القوميات أو المذاهب الدينية المختلفة لانها تعزز الوحدة وبالفعل نحن بدأنا بها وحصلت لدينا الكثير من الزيجات في هذا الاطار في قريتنا وهذا الامر ساهم في اعادة حيوية العلاقات الاسرية بين الكثيرين.

زواج بين القوميات
فيما اشار بلال الدليمي رجل دين ان الاعداء ارادوا ان يبعدوا السني عن الشيعي والعربي عن الكردي والتركماني والمسلم عن المسيحي لان تلك المذاهب والقوميات والديانات تمثل باقة وردة جميلة تعبر عن جمال العراق لذا فاننا من اول الداعمين لفكرة الزواج بين القوميات أو المذاهب الدينية المختلفة لانها تعزز الوحدة وبالفعل نحن بدأنا بها وحصلت لدينا الكثير من الزيجات في هذا الاطار في قريتنا وهذا الامر ساهم في اعادة حيوية العلاقات الاسرية بين الكثير من العائلات التي عاشت خلال السنوات الماضية شيئا من العداء والبغضاء بسبب العنف وما زرعته الجماعات المسلحة من بذور الفرقة على حد قوله.

محاولة تفكيك المجتمع
فيما اكد بلال عبد الكريم المجمعي باحث اجتماعي في مدينة بعقوبة ان الجماعات المسلحة عمدت خلال اعوام الماضية من فترة سيطرتها على مناطق واسعة من المحافظة الى توجيه ضربات قوية لتفكيك المجتمع واسسه المتينة ورزع الفرقة بين المذاهب والقوميات حيث كانت تعمد الى افراغ الاحياء السكنية من مكون مذهبي دون غيره بل عمدت الى تفريق المرأة عن زوجها اذا كانت من مذهب اخر وحصل الكثير من هذه الحالات في بعقوبة وحاولت منع اي مصاهرة تحدث بين القوميات او المذاهب المختلفة لذا فان دعم عملية المصاهرة المختلطة الان بعد استقرار الاوضاع الامنية وعودة الاف الاسر المهجرة لها من العائلات التي عاشت خلال السنوات الماضية شيئا من العداء والبغضاء بسبب العنف وما زرعته الجماعات المسلحة من بذور الفرقة.
فيما يقول القيادي في الصحوات محمد المجمعي: ان القاعدة وبقية التنظيمات المتطرفة اصدرت فتوى منتصف عام 2006 تمنع بموجبها الزواج بين السنة والشيعة وتدعو الازواج الى تطليق زوجاتهم اللائي ينتمن الى المذاهب الاخرى فكان الامر بمثابة مؤامرة لتمزيق النسيج الاجتماعي الذي تمتاز به الاسرة العراقية في ديالى.
وبين ان القاعدة كانت تعاقب بالفعل من يخالفها بالامر او عدم تنفيذه خلال فترة سيطرتها على مناطق واسعة من مدينة بعقوبة.
فيما اشار المحامي عبد الخالق حميد في محكمة بعقوبة ان الاسابيع الاربعة الماضية سجلت 12 من حالات عقد قران مختلط بين السنة والشيعة، كما ان هناك حالات لزواج بين القومية العربية والكردية والتركمانية وهي في تصاعد مستمر مبينا ان العنف الطائفي كان له تأثير كبير على نسب الزواج المختلط والذي كانت ديالى تمتاز به في السابق.