02/10/2011
بغداد – كاظم لازم
لم يفكر المسرحي الالماني الشهير برتولد بريشت طويلا عندما قدم بواكير اعماله ومنها مسرحية (طبول في الليل) فـ( اوبرا القروش الثلاثة) وحياة غاليليو بان مشاهديه سيكونون من الطلبة والعمال فقط وبعض الصبيه الذين طلب منهم (بريشت) الصمت طوال فترة العرض. وصولا الى مسرحية الخطايا السبعة المهلكة التي حضرتها مجموعة كبيرة من عوائل المجتمع المخملي الذين لم يفهمو الكثير من الاسئلة التي حملها العرض الامر الذي دفعه ان يقول حقا اني اعيش في زمن اسود.... الكلمة الطيبة فيه لاتجد من يسمعها... فالجبهة الصافية تفضح الخيانة والذي مازال يضحك لم يسمع بعد النبأ الرهيب اي زمن هذا؟ مما تقدم يكشف لنا هذا المسرحي الكبير عن مدى اهمية التلقي ومدى ماتخلفه اعماله من صدى داخل النفوس رغم استخدامه المبكر لمنهج جديد في المسرح اسماه هدم الجدار الرابع. ومن هنا يأتي السؤال عميقا عما قدم المسرح العراقي طوال تاريخه القديم والحديث وصولا الى سنواته الاخيرة خاصة بعد التغيير عام 2003. التي تباينت فيها العروض بحسب اراء المتخصصين والمهتمين بالشأن المسرحي التي اشادوا فيها بمجموعة فيها لاتتعدى اصابع اليد والتي جمعت المتلقين حولها ومن شتى الشرائح بينما وقفوا ضد مجموعة كبيرة من العروض التي لم ترق للذائقة الجمالية والمسرحية المطلوبة ليظل المسرح العراقي يعيش حالة التأرجح في ملامحه الجديدة التي زحف عليها بقوة المتغير العربي والحدث السياسي العراقي بتناقضاته العجيبة. وهذه بعض الاراء التي اختلفت وجهات النظر فيها من اجل رسم فضاء مسرحي عراقي جديد يخاطب الجميع والفئات التي ظلت عطشى لهذا الخطاب الحضاري وتنويعاته.عباس لطيف: الرقيب مازال يمشي بيننا
الناقد المسرحي عباس لطيف قال:
لقد صدم الجميع بالمتغير السياسي بعد 2003 والانفراج الثقافي الجديد الذي اخذ الرقيب معه والى الابد ولكن هذا لايمنع من وقفة مراجعة لما قدم من اعمال مسرحية حقيقية استغلت على الجمهور المتنوع الذي حضر عروضها واخرى ارتقى فيها عرش المسرح عاليا ليكون بعيدا وصعبا على فهم الكثير، بينما راحت بعض عن العروض تقدم نفسها للمشتغلين فيها وهذا
تقف وراء الكثير من الاسباب ابرزها الانتاج المسرحي وغياب بعض فرسان المسرح وانحسار العروض في مكان واحد هو خشبة المسرح الوطني واخرى اشتغل عليها فنانوها على ان تعرض في مهرجانات عربية ودولية.
وبين هذا وذاك ظل البعض متخوفا من ان يفهم عرضه انه ضد جهة ما ومنها الحكومة وحلقات الفساد الاداري الامر الذي اعاد بالرقيب من جديد الى الواقع بعدما كان يرفض النص ويمنعه والان صار الرقيب يعيش على الارض وقد يرتكب افعالا حمقاء.
وفي النتيجة يظل المسرح العراقي الجديد يبحث عن هوية تجمعه وتوحد خطابه امام هذه الفضاء الرحب في الحرية وسرعة المتغير دون الالتفات الى اية اجندة تأخذه بعيدا عن اهدافه السامية
التي ذقناها في فترة السبعينيات من القرن الماضي.
بشرى اسماعيل: الجمهور اختفى
الفنانة بشرى اسماعيل التي اشارت الى مجموعة من العروض المميزة والتي قدمت بعد التغيير حيث قالت: – تعرفت على المسرح في بداية السبعينيات عندما شاهدت مسرحية اضواء على حياة يومية للاستاذ الراحل قاسم محمد والتي حملت الكثير من الشفرات السرية، التي خاطبت عقول المتلقي وخلقت المتعة والفائدة معا امام جمهور كبير غصت به قاعة مسرح بغداد بينما نرى ان هذا الجمهور قد اختفى مرة واحدة رغم حضورة للكثير من الاعمال الهابطة والساذجة التي قدمت في فترة التسعينيات متأسفة ان المسرح قد اقترب من النخبوية كثيرا حيث قدمت في بداية هذا العام والعام الماضي مسرحيات احادية النظر لاتحمل هموم الناس.
واحلامهم ازاء واقع جديد يشهد متغيرات يومية وسريعة باستثناء بعض الاعمال التي شهدت اقبالا متنوعا من قبل مرتادي المسرح خاصة العوائل اضافة الى عوائل الفنانين التي طالت غيبتهم بعدما كانوا زبائن دائميين للعروض
خطاب النخبوية
اما عماد محمد /مخرج مسرحي فله رأي اخر حيث قال لقد عاصرت فترة مابعد عد 2003 والتي قدمت من خلالها اكثر من عمل ابرزها بيادق ومظفر النواب وغيرها ويقول هنا نعم كان المسرح العراقي نخبويا بامتياز ما عدا عرضين او اكثر شهدت اقبالاً متميزا اما الباقي من الاعمال فقد تفاوت فيها المستوى الفني بين هابطه وناجحه رغم انها تمثل المسرح الجاد
اما عن اسباب النخبوية فقد استمدت ديمومتها من الواقع والاحداث والمتغير السياسي لتجعل الفنان ملتزما بالخط الاكاديمي والخطاب العالي وخاصة الاعمال التي شهدتها كلية الفنون في مهرجاناتها وعروضها الشهرية
الاهمال المتعمد
الناقد والممثل جمال الشاطئ قال بعد العام 2003 بدأ المسرح يتجه نحو ولادة جديدة للنص والعرض والتمثيل فالعروض التي قدمت اخيراً كانت من وجهة نظري جماهيرية تتجه نحو الواقع العراقي والفنان بدأ بعد التغيير يقرأ الواقع من جديد ليتجه بالحيثيات الصغيرة وبالمهملات المسكوت عنها ليحولها الى ثورة ضد السائد في السياسة من بينها الاهمال المتعمد من السلطة للمثقف فالمسرحي ليس مطلوبا منه ان يشارك في تظاهرة لان حلبته وساحة تظاهره هي الخشبة ليقدم عليها اسئلته واعتراضاته لجماهير تنتظر منه من يلقي حجراً في بحيرتها الساكنة .
مغازلة سياسية
لقد اصيب المسرح العراقي بمجموعة من التقلبات بعد عام 2003 منها فنية وفكرية على حد قول المخرج والممثل بكر نايف مضيفا ان البعض من الفنانين غازل الحكومة وبعض الاحزاب في السلطة لينال رضاها مقابل دعم مادي مفتوح بينهما يبنهما البعض الاخر راح يعمل باجتهاد وبجد ليشارك بعرضه في مهرجان عربي ودولي الغاية منه رفع اسم العراق وفنانيه عاليا كما ان هناك تمشكلة وهي ان بعض الاعمال راحت تؤدول انها استخدمت الحرية والوالديمقراطية معطفا لتحرر خطابها بعد غياب الرقيب الحقيقي لها الناقد والفاحص والمتعدي لها لتجد من يحسبها تروج لجهة سياسية ما بالنتيجة تظل العملية المسرحية العراقية تتارجح بين القبول والرفض خاصة ان بعض العروض وخطابها خاصة تنتقد الحكومة والدولة ولكن من الخارج.
الفنان الموظف
اما الفنان عبد الجبار الشرقاوي فقد قال لايختلف احد بشأن المسرح الجاد ومنه الاكاديمي الذي يستمد حكاياته من التجارب العالمية والمذاهب والمدارس المسرحية المختلفة وفق مضامين جمالية وتكوينية اضافة الى الافكار التي يقدمها هذا النوع من المسرح قدم اكثر من عرض له ولكن ليس داخل العراق بل كانت حصرا للمهرجانات والسابقات التي اقيمت في الخارج وهذه العروض قدمتها مجموعة من الفنانين والذي اشتغلوا فيها على الترميز والتجريب العالي وهؤلاء هم نخبة يعرفهم الجمهور الاكاديمي بينما بقي الجمهور الاخر الذين يتعرض للاعمال الجماهيرية او الشعبية والتي تستقطب العدد الكبير من الحضور محروماً من مهرجان او مسرحية تقدم فيها مثل هذه العروض التي تناقش همومه ومشاكله وبطرق كوميدية احياناً ولهذا اسباب كثيرة منها قلة المسارح ويقين اكثر هؤلاء الفنانين من دائرة السينما والمسرح .
غياب فرسان المسرح
السينوغرافي سهيل البياتي فله رأي
مختلف حيث قال:
لقد انحسر الجمهور المسرحي عن متابعة عروضه لاسباب كثيرة منها عدم وجود اعمال مسرحية تجذب المشاهد الذي غاب عن متابعة هذه العروض سنوات طويلة بفعل الاوضاع الامنية التي منعته هو وعائلته من الحضور اما بالنسبة لما قدم بعد 2003 من اعمال فقد خلت من الدهشة والابداع وملامسة مشاعر المتلقي
واضاف البياتي متابعاً لقد غاب فرسان المسرح الحقيقي ابراهيم جلال وقاسم محمد وغابت الفرق الشعبية فرقة المسرح الفني الحديث وفرقة 14 تموز وفرقة المسرح الشعبي
اما ما يقدم الان وخلال السنوات الماضية فا اغلبها اعمال تعيد نفسها بشكل مسطح والبعض بعمل فيها فنانون من اجل السفر بها الى الخارج وما يحصل للعملية المسرحية بعد 2003 انها بدأت تفقد قاعدتها الاساسية وهي طلبة ومعهد وكلية الفنون الجميلة الذي كانوا طوال السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات يمدون الحركة المسرحية بالدماء الجديدة والطروحات الحداثوية اما الجيل الجديد من الطلبة فهم لا يشبهون اولئك لامن بعيد ولا من قريب فلم يقرأ احدهم كتاباً عن المسرح ولا يجهد نفسه بالبحث عن مديات وبحوث المسرح المتواصلة.
الاحتيال على النص
اما المخرج المسرحي ابراهيم حنون فقد قال: المسرح العراقي كما نعرفه لا ينفصل عن المتغيرات والاحداث ومشكلات المجتمع والمسرح العراقي بعد 2003 اتسم بمرحلتين الاولى ما بعد التحول واخرى عاشت التحول وهي التي اعتمدت اغلب عروضها على التأويل واعادة انتاج عروض جديدة مليئة بالجماليات والبصريات والتجريب كما ان بعض العروض والتي قدمت في السنوات الاخيرة احتالت على النص العالمي لتسقطه على الواقع العراقي واشكالياته.
كما ان هناك مجموعة عروض اخرى اعتمدت الواقع بشكل مباشر وسطحي.
وغير متأمل بينما الواقع يحتاج الى الكثير من المراجعة والتأمل الطويل لان الانقلابات التي حصلت في المجتمع العراقي بعد التنفيذ والتغيير خاصة البنية الاجتماعية والسياسية يحتاج اعادة النظر بالكثير من العروض واعادة انتاجها من جديد.
اما بالنسبة لمسرح النخبة اضاف حنون ليس هناك مثل هذا المصطلح فما قدم كانت نتيجة ما هو موجود من امكانيات متاحة والكثير من المشاريع قد اجلت او توقفت نتيجة لقلة الدعم ومع هذا اجد نفسي متفائلاً بالمستقبل وبما سيقدمه الشباب الذين بدؤوا يسجلون حضوراً في السنوات الاخيرة.
تفاؤل مستقبلي
وقال الفنان عزيز خيون: ان النخبوية في المسرح العراقي ليست ظاهرة مستمرة كما يحصل في الكثير من عواصم ومدن العالم كضرورة اجتماعية وجمالية فبعد 2003 اصبح المسرح نخبوياً ليس بقصد ان يكون الانتاج نخبوياً ولكن ظروف واوضاعاً معينة منها الجانب الامني وتشتت فرق المسرح وعدم اهتمام الدولة بهذا الخطاب الثقافي المهم جعله يبدو كحاجة كمالية وليست ضرورية كما ان هناك ملاحظة وهي ليس من يرتاد المسرح من شعراء واعلاميين وكتاب ومعهم عوائلهم يضاف اليهم طلبة معهد وكلية الفنون بوجودهم يتحول المسرح بهؤلاء الى مسرح نخبة رغم تكرار الوجوه نفسها في كل عرض.
ان مدة العرض التي لا تتجاوز اليوم او اليومين وهذا ليس كافياً لتغطية حاجة الجميع بالمشاهدة.
فالسؤال هل هذه النخبة اجتماعية معينة ام نخبة عددية والجواب كما اراه هو نخبة عددية فيها البسيط والمختص في شؤون المسرح.
ومع هذا قدمت خلال هذه الاعوام اعمال جيدة خاطبت النخبة من خلال تفسيرها لمنظوم العرض كذلك قدمت اعمال شعبية وفي اوقات المساء حضرها عدد كبير من الجمهور رغم اختلاف مستواه الثقافي وهذا يحسب للمسرح دون الاشارة الى ان هذا العرض نخبوياً ام لا؟
الفنانة الرائدة فاطمة الربيعي فلها رأي مختلف حيث قالت:. ان عدم وجود مسارح منتشرة وتركيز العروض على خشبة المسرح الوطني فقط جعل الكثير منها يبدو نخبوياً كما كان هناك طقس مسرحياً تعودت الناس عليه في الستينيات والسبعينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي حيث تحولت عروض المسرح الى ظاهرة اجتماعية يشارك في الجميع بنهما نرى ان بعد 2003 صارت العروض تقدم في الواحدة ظهراً واخرى في الثالثة ظهراً وهذا مناف لتقاليد المسرح المطلوبة لدى الجميع فقد زرت القاهرة قبل سنوات قليلة لاشاهد المسرح يقدم عروضه في الساعة العاشرة ليلاً.
وهنا في العراق نرى الكثير من الاحداث التي حصلت في الاعوام الاولى بعد التغيير قد غيبت العروض وجعلتها نخبوية يشاهدها الفنانون انفسهم ولمدة يوم واحد بينما راح بعض الفنانين يذهب لعرضه الى الخارج هروباً من سخونة الوضع الامني وتداعياته والان وبعد عودة الهدوء شاهدنا مجموعة من العروض رغم قلتها الا انها لم تعد نخبوية بالمعنى الاكاديمي بل خاطبات الكثير منها شرائح المجتمع المختلفة.
ســـــــــــــــمر 
موضوع: المسرح العراقي يبحث عن جمهــور 
الأحد أكتوبر 30, 2011 7:06 am
