المسرح العراقي يتألق في سماء مالمو السويدية .

المسرح العراقي كان ولازال واحدا من أهم الفنون التي تجسد الحالة الثقافية والاجتماعية ومرآة لما يعانيه المجتمع العراقي بشكل عام ، مر بظروف عصيبة أحاطت بهذا الفن إبان حكم النظام البائد. واذا كان المسرح العراقي لم يستعيد عافيته بعد سقوط النظام داخل الوطن نتيجة تردي الاوضاع الامنية رغم الهامش الكبير من الحرية وغياب مقص الرقيب، الا ان الإبداع العراقي خارج الوطن اجتمعت فيه كل مقومات النهوض من جديد لكي يتواصل مع أبناءه وليترجم خطابهم الثقافي والاجتماعي والسياسي.

على مسرح بلاديوم ( PALLADIUM ) وسط مدينة مالمو السويدية وعلى مدى ساعتين ونصف من العرض المتواصل امتزجت فيها التراجيدية بالكوميدية وتخلل المسرحية بعض من الغناء العراقي الأصيل ومن فلكلوره مع الرقص الشرقي والاداء الرائع للممثلين والاوكسترا عراقيين وسويديين وعرب، قدم المخرج والممثل المسرحي العراقي حسـن هادي مسرحيته ( هللوووو ( التي عبر عنها بأنها جنون الفنان. وهي قصائد للشاعرين العراقي عدنان الصائغ والسويدي توماس ترانسترومر . المسرحية صراع ما بين الغريزة والعقل والوقت. ولكن كيف استطاع حسن هادي ان يمازج بين لغتين مختلفتين بعمل مسرحي واحد ؟ وكيف وظف هذا العمل لتلاقي الثقافتين العراقية (العربيةـ الشرقية) والسويدية (الغربية) من خلال هذا العرض الممتع؟ وكلا الثقافتين تستندان الى أرث حضاري عريق في كل المجالات ولا سيما الفنية منها.
( هللووو ) مسرحية من عشرة نزلاء في مصح عقلي لكنهم ليسوا مجانين .. يحاكون قلبك وعقلك بأدائهم الرائع .. بحركاتهم .. بأفكارهم .. برقصات أجسادهم .. التقينا المخرج والفنان حسن هادي الذي كانت تغمره السعادة وترتسم على شفتيه الفرحة عندما علم إننا جئنا من الدنمارك فقط لحضور أداءه الجميل. سألناه ماذا كنت تريد ان تقول من خلال هذه المسرحية؟ قال وباختصار إننا نريد ان نوصل رسالة بان الفنان ايضا يعيش حالة جنون مثلما يعيشها الاخرون ولهذا يجب ان يكون المشاهد حاضرا تلك اللحظة. . يحدثنا الفنان حسن ويعتصر بداخله ألم وحرقة من أن الحضور العراقي شبه مغيّب رغم العرض المغري الذي قدمه لهم للحضور!!؟ لكن الجمهور السويدي الذي ملأت به مدرجات المسرح طوال أيام العرض كان كفيلا بأن يكون حسن وزملاءه الفنانين الآخرين فرحين بنجاحهم بأنهم أوصلوا رسالتهم وفنهم العراقي الى الجمهور السويدي على الاقل، حيث أخبرنا أنهم سيذهبون لتقديم هذا العرض الى مملكة المغرب في هذا الصيف. كما التقينا بعدد من الممثلين والكادر الفني والأداري للعمل وكانوا سعداء بنجاحهم من جهة وبحضورنا من جهة أخرى. وسألنا الممثلة العراقية نادين الخالدي عن كيفية ادائها كممثلة باللغة السويدية ومغنية في المسرحية وبنفس الوقت عازفة گيتار مع الاوكسترا التي جل أعضائها من السويديين؟ قالت: كنت عندما أقف على المسرح وأمثل مع الزملاء الاخرين باللغة السويدية وزميلي الاخر يخاطبني باللغة العربية وأرد عليه بالسويدية كنت لا اشعر اطلاقا ً بان هنالك اختلاف او تباين مما يدلل على ان العالم هو ثقافة واحدة ومن منبع واحد، ولهذا كنت لا اشعر باختلاف اللغة ونحن نجسّد أدوارنا على المسرح.
ما شدني للمسرحية وأثار إعجابي ليس فقط أداء الفنانين وحسب بل لأول مرة أجد نفسي اشاهد عرضا مسرحيا بلغتين وبثقافتين الأمر الذي جعل مني فخورا بهذا المنجز العراقي. انتهى العرض ووقفنا جميعا وكان زميلي خضير الرميثي حيث كنا مترافقين في هذه الرحلة، وقفنا نصفق طويلا مع الجمهور السويدي احتراما لهذا الاداء المتميز والرائع ، ولكن بقي سؤال يراودني من تلك اللحظة الى الآن هو: كيف استطاع حسن هادي من أن يجعل الفنانين السويديين ان يغنوا وبلهجة عراقية ( أنا يا طير ضيعني نصيبي ... حرت لاني لهلي ولاني لحبيبي ) وأيضا ً ( ما أندل دلوني يا بابا .. ما أندل دلوني !!؟ درب المحطة منين !!؟ . . ما أندل دلوني ..!!؟؟).