ذات
صباح كانت ريم تجوب الشاطئ متأملة رماله الذهبية مستمتعة بالهدوء وبأشعة
الشمس التي بدأت تنشر خيوطها ببطئ على البقعة الزرقاء تلألأت رمال الشاطئ
كبلورات الملح تحت ضوء الشمس الخجول بدت مفعمة بالحيوية تستعد للشروق بينما
أخذت أمواج البحر تداعب برفق قدما ريم التي بدأت تتهادئ على الشاطئ دونما
هدف مستمتعة بالسحر المحيط بها، شردت تتذكر بلدها وعائلتها صاحت في داخلها
كم أشتاقكَ أيها الوطن العزيز ولأهلكَ الطيبين أشتاق لأيامك الماضيات
ومطاردة الربيع والفرحة بالمطر وريح السمر الذي ينبعث من الحطب واللعب في
البراري الواسعة وأنظر الى المساحات الشاسعة من الحب والوفاء بين الأرض
والسماء أشتاق للصيف الحار وليالي الشتاء الباردة أشتاق لترابك الطاهر
الطيب..
محاولةً بهذا نسيان تلكَ المساحة السوداء في قلبها وذلكَ الجرح الذي لم
تفلح الأيام في إندماله من حبٍ لم يقدر له الاستمرار.. هزت يدها تلوح في
الهواء كأنها تريد إزاحة الأفكار الأليمة التي خلفها ذلك الحبيب،كانت ريم
غارقة في افكارها فلم تلق بالاً للظل الأسود القادم نحوها بخطوات متسارعة.
كانت الساعة قد بلغت السادسة صباحا ثلاث ساعات فقط تفصلها عن أول أيامها كـ
رئيسة للتحرير في هذا البلد الاروبي الجميل ثلاث ساعات فقط تفصلها عن
تحقيق حلم في الأمس القريب كان مستحيلا بالنسبة إليها لكن مع كدها وطموحها
اللامحدود استطاعت ان تحقق المستحيل وأن تقبل وحدها في هذه الوظيفة من بين
عشرات النساء العربيات اللائي آجتزن الإمتحان كانت سعيدة بما حققته..ماأفسد
عليها هذه اللحظات السعيدة هذا الصوت الرجالي الخشن الذي قال بعنف لماذا
تصهرين كل مساحات الأماني ؟ وتذيبين جبالاً من جليد أحلامي لماذا تفجرين
بركان آلامي ..وتصبح المسافة بيننا جفافاً من الآمال والأحلام والأماني
لتصبح حجارتها وترابها يحرق برمضائه كل قدم تحاول أن تذيب المسافة بيننا ..
بهذه الكلمات الغاضبة التي كسرت هدوء البحر وهجعته استفاقت من شرودها
والتفتت لترى ابتسامة تتلألأ في آمان كاذب و أمل زائف مع شعاع الشمس رأيت
وجهه الوسيم النقي الصافي بابتسامته المعهودة لكن بها مزيج من الحزن و
الغضب ..
شهقت غير مصدقة أنه أمامها كيف عرف بمكانها؟ ماذا يريد منها بعد ماسببه لها
من ألم وضياع، فجأة يموج البحر ويرتفع موجه في غضب وصخب كأنه أحس
بمعاناتها ومايدور في خاطرها
هزت ريم رأسها في غضب وهي تحاول ان تتجاهل تلك الدمعة التي أفلتت من سجن
عينيها وانسالت على خدها ثم تهاوت كبيرة وسط دموع البحر وقالت مالذي اتى
بكَ إلى هنا؟ ألم يكفيكَ مافعلتَ بي لما عدت الآن؟ اسفة سيدي فقد محوتكَ من
قاموس مشاعري فلم يعد لكَ مكان في قلبي..
كان وقع الكلمات كالسيف على مسامعه ورأيت الألم في عينيه الصافيتين كبركةِ ماءٍ عذبة
رد بحزن لقد كنت ابحث عنكِ طوال هذه المدة لم أترك بلدا لم أبحث عنكِ فيه فأنتي من تركتني ولم تعطني الفرصة لأشرح لكِ الأمور..
قاطعته بحزم.. لا أريد أن أعرف شيئاً لم أرد من قبل لهذا هاجرت وتركت لكَ
ولحبيبتكَ الوطن لتنعما سويا فيه فلم يعد ذلك المكان* يتسع لثلاثتنا تركتُ
كل ماقد يذكرني بكَ وجئت إلى هنا لأنسى الماضي وقد نسيته، لما تلحق بي الآن
قالتها بغضب..
أجاب مطأطأ رأسه لأنني أحبكِ بل إني أعشقكِ أيتها الحسناء المجنونة ولطالما
أحببتكِ لم أنسى يوماً عزة نفسكِ وكبريائك، كرمكِ وذلك الحياء الذي لطالما
عشقته فيكِ وأنتِ تسدلين شعرك تحت شعاع الشمس ..وهو يتحرك مع النسيم
..ويحرك إحساسي ومشاعري معه.. قاطعته..
أصمت لا أريد أن أسمع شيئاً خنتني وهذا الشيئ الوحيد الذي لا أسامح فيهِ
والآن تأتي بكلامكَ المعسولِ هذا لأسامحكَ؟ أسفة سيدي تأخرتَ كثيرا ولم يعد
في القلب مكان لكَ تقول هذا وهي تعرف حق معرف أنها تحبه فهو أول انسان
أحبته والاخير لم يبرح قلبها وعقلها يوماً قامت بمجهود كبير لتمحوه من
داخلها لكن محاولاتها باءت بالفشل قتلت نفسها في العمل والاجتهاد والتنقل
من بلد لاخر لكن لاشيئ تغير فهو سكن الروح والوجدان وأبى أن يموت داخلها
كان كلما مر ببالها تحس بالحرقة والألم من شدة الوقع والجرح لكن جرحها لم
يشفى بعد ولم تستطع ان تسامحه ولا ان تسامح نفسها لأنها سلمت قلبها لانسان
لا يستحقه..
والآن اسمح لي أنا هنا لأحقق ذاتي لا لأجتر آلام الماضي ..قالتها وعيناها تملؤهما الدموع تركته واقفا كالصنم وذهبت كالريح
لم تلتفت ولم تنتظر حتى لتسمع رده حاول ان يتبعها لكنه لم يستطع الحراك كأن قوى خارقة ثبتته على الأرض..
طوال الأسبوع الأول من عملها الجديد لم يكن هناك مجال للتفكير فيهِ أو تعرف
ماحل بهِ بعد ذلك اليوم إذ قضت ريم أياما كاملة منهمكة في ترتيب الأمور مع
رئيس التحرير الراحل وفي اجتماعات مع الناشر للإتفاق على التغييرات
العديدة التي ستتم على التحرير والتنسيق على الصحيفة والتي سيتم تنفيذها مع
بداية توليها لمنصبها رسميا في الاسبوع التالي.
عادت إلى منزلها الأنيق الذي اشترته مؤخرا منهكة استلقت على فراشها تصارع
النوم استرخت وإذا بشريط الأسبوع الماضي يظهر أمامها انتفضت وكأنها لا تريد
أن تتذكر شيئا ..
قالت بصوت مسموع يجب ألا تتعب نفسك بالعبث بالحب محاولاً أن تفعل ما لم
يفعله غيرك وكأنك تحاول أن تفلق الصخر لتخرج منه الماء أو تخطف النجم لتصنع
منه عقداً تعتقد أنك سوف تفعل معجزة وأنت تحرث في الماء وتضيع وقتك بلا أي
قيمة لأن الفؤاد الذي لا يعرف رطوبة وحرارة دموع الحب فلن يكون له سبيل
غير الضياع بعد الذي رأيته منكَ..
كيف تخونني وفي آن الوقت تحلف أنكَ تحبني ماهذه المعادلة المعكوسة من يحب لا يخون ولا يفعل شيئا يضر بمحبوبه فكيف فعلت ذلك؟
تذكرت تلك الليلة المشؤومة التي ذهبت لبيته لتجلب كتبها وباقي مقالاتها
التي تركتها في الليلة التي قبلها بعد ان كانا يكتبان مقالا مشتركا فتحت
الباب فوجدت من يدعي حبها بين احضان اخرى... نزلت الدموع من عينيها لم تشأ
أن تتذكر الماضي حاولت جاهدة أن تنسى لكن كل الظروف تجرى في الإتجاه
المعاكس لما تتمنى.. صرخت حين رأت المنظر خرجت مسرعة في الشارع لحقها حاول
ان يوقفها لكنها صفعته على وجهه وصرخت خائن ثم انطلقت مسرعة كالريح
بسيارتها بعدها فكرت في مليون فكرة واستقرت على واحدة وهي الهرب.. أي نعم
الهرب من المجهول من الحقيقة من أي شيئ قد يبرر به فعلته لم تشأ أن تعرف
عنه أي شيئ ولم تشأ أن تعرف من تلك الحبيبة ومتى عرفها ومنذ متى وهو معها
ويمثل يدور المحب المتيم .. نعم هاجرت البلد وتركت كل شيئ ورائها أهلها
أصدقائها .. وقلبها ..لتنسى وقررت أن تحقق ذاتها وتعمل على حلم الصحافة
ونجحت ..لكن عاد الألم والأرق من جديد.. كيف ستتخلص منه مرة أخرى وحبه يسكن
فؤادها ..ابتسمت ابتسامة باهتة حين تذكرت كلماته الرقيقة الناعمة وكيف كان
يقول أسمكِ أغنتيتي وأنتِ لحني وفي أدق تقاسيم صوتكِ أنغام لحني وفي
تضاريس وجهكِ الناعم الجميل خيالي وتصويري .. بكت بحرقة حين تذكرها لأدق
التفاصيل وماكان بينهما صرخة بقوة لماذا؟ لماذا؟ توقفت عن الصراخ حين سمعت
طرقا على الباب تسمرت في مكانها تتأكد مما سمعته لوهلة ظنت أنها تتوهم لكن
الطرق عاد يسمع على الباب اسرعت تمسح الدموع الغزيرة عن خدودها نزلت ببطئ
تقول من الطارق.. لم تسمع جوابا واقتربت من الباب فتحته فإذا به أماها
مفتول العضلات وسيما أنيقا كعادته حاولت أن تقفل الباب بسرعة لكنه أوقفها
وقال بحزن أرجوكِ اسمعيني فقد تعبت من البحثِ عنكِ والآن حين وجدتكِ لن
أترككِ حتى تسمعيني وبعدها لن أرغمكِ على رؤيتي مرة أخرى ..ارتخت قبضتها
على الباب وتركته يدخل أقفل الباب خلفه وجلس وعلامة التعب والحزن بادية على
ملامحهِ الجميلة..
قال بحزن أكنتِ تبكين حبيبتي؟ لما عيناكِ ومتورمتين؟ أجابت بعنف لا لم أكن
أبكي فقط الحساسية من بعض النباتات في الشرفة ولما أبكي؟؟صمت لوهلة ثم رفع
رأسه وقال لما تركتني؟ لما هربتي؟ لما تصرفتِ بذلك العنف والهستيريا ذلك
اليوم ولم تتركي لي الفرصة لأشرح لكِ،ضحكت باستهزاء وهل هناك مايشرح بعد
مارأيته بأم عيني؟ قال وماذا رأيتي؟ وأين ذهبتِ لما غادرتِ البلاد وغادرتِ
أهلكِ؟ لم أتركْ مكانا الا وبحثت فيه كدت أجن لم أعرف ماذا اصنع تركتني
كالمجنون، قاطعته
تسألني ماذا رأيت؟؟ رأيتُ ياسيدي امرأة أخرى في بيتكَ وبين ذراعيكَ امرأة
أخرى غيري أنا.. هل كنت تريدني أن أرى شيئا آخرا حتى أترككَ؟ صاح ماهذا
الهراء؟
قالت نعم هربت.. هربتُ منكَ وخداعكَ وتمثيلكَ دور المتيم والعاشق الذي
ذبحني بسهام الخيانة هربت من ضجيج الأصوات المرتفعة التي كانت تقول إنكَ
خائن هربت بعيدا إلى الهدوء محاولةً أن أجرح جبين الضجيج لحظة هدوء وتأمل
وكأني أشحذ فيها الأمل أن يتكرم بهذه اللحظة التي تثمن بالكثير في وسط صخب
الأصوات التي كانت تتعالى في مسامعي وتقول إنه خانكِ إنه سيترككِ لأنه وجد
ضالته في أخرى أتركيه قبل أن يفعل حافظي على ماء الوجه وغادري المكان
وابحثي عن السكينة في مكان آخر.. اسكتها وقال بعنف إنكِ مجنونة حقا إنكِ
جننتي، عن أي خيانة تتكلمين؟ لم أخنكِ يوما ولن أفعل أأنتي عمياء أم ماذا
تلك التي كانت يومها ببيتي إنها أختي ..نعم أختي ألم أقل لكِ سابقا أن لي
أختا من والدي وكنا نبحث عنها طوال سنوات؟ ألم أحدثكِ عنها مطولا؟ لقد
وجدناها بعد طول بحث وكنت احدثها عنكِ وكم أحبكِ وكانت مشتاقة لتتعرف عليكِ
كانت تلكَ هي المفاجأة التي كنت سأخبركِ بها لكن شاءت الاقدار أن تأتي في
تلك اللحظة التي كانت أختي تبكي على ذراعي وتحكي بحرقة عن أمها التي
أبعدتها عنوة عن والدي لكنكِ لم تتركي لي المجال لأشرح لكِ ..
لماذا تركتني وتركِ الجميع مصدوما ...جحظت عيناها غير مصدقة ماسمعت هل كانت اختكَ؟
لا أصدق ماأسمع ..
إنكِ مجنونة عذبتني كل هذه الاشهر في البحث عنكِ كدت أجن عليكِ لم أستسلم
وقررت أن أبحث عنكِ وإن هاجرت إلى كوكب غير الأرض، فأنا أحبكِ ولم أحب
إمرأةً غيركِ ..
لم تستطع أن تقول شيئا ولم تتوقف عن البكاء رغم محاولاته اسكاتها، شعرت
بغباء وبأنانية وجنون لما اقترفته عاتبت نفسها طويلا وتمنت لو ماتت قبل ان
تقف هذا الموقف المحرج نظرت إليهِ بحزن وانكسار وقالت أحتاج إلى وقت بعيدا
عنكَ..
لاحظت الاحباط والغضب في عمق عينيه الداكنتين وهو يتحرك نحوها ثم اطبق يديه
على ذراعيها أتدرين إلي أي حد تجعلينني مجنونا؟ في لحظات أكون متأكدا أنكِ
تستحقين حبي وعناء البحثِ عنكِ وأكون متأكدا أنكِ تحبينني وفي لحظات يأسي
أقول في نفسي ألا أفكر فيكِ ومع ذلكَ تطاردينني في أحلامي ولا أستطيع إلا
الموت لأجلكِ
لهذا أنا أسامحكِ لما فعلته فقط حاولي أن تسامحي نفسكِ
شدد قبضته على ذراعيها.. أنظري في عيني ياريم وأخبريني لأخر مرة أنكِ لا تهتمين لأمري وأنكِ فعلا محوتني من قلبكِ وعقلكِ قلتِ..
وكما سبق وأخبرتكِ لن أرغمكِ مرة اخرى أن تعرفيني أو تلتقين بي وسأخرج من حياتكِ نهائيا.
ذعرت لما سمعت وخافت إن لم تتكلم الآن أن تخسره إلى الأبد..أمرت نفسها أن
تقولها ولكن ذقنها اضطرب وحشرت الكلمات في حلقها..لكنها اخرجتها وقالت إنني
أهتم لأمركَ أكثر مما تتصور وأحبكَ حبا لايمكن أن أصفه.. واردفت اسفة لما
سببته لكَ من أذى كنت أتصور أنها..
أسكتها وعانقها برقة وقال فلننسى الماضي ولنبدأ حياة جديدة وصفحة بيضاء
نملؤها بكل ماهو جميل ..ابتسمت وأمسكَ وجهها الجميل بين راحتيه وقال دعيني
انظر إلى وجهك الصافي الطاهر وأجمع حبات الأمل المتساقط من ابتسامتكِ
العذبة التي تأتي لي بالشوق الشديد لكِ واللهفة لتروي رمقي من الركض على
مساحات اليأس لتعطيني طاقات جديدة لمواصلة الركض وراء حبكِ.*
ســـــــــــــــمر 
موضوع: **جنــــــــــــــون الحـــــــــــــــــب** 
الخميس أغسطس 04, 2011 2:53 pm
