اشتياق وحنين لسعادةٍ مفقودة ..

هَذَا الْعَذَاب الَّذِي يُسَيْطِر عَلَى الْقُلُوْب وَيَجْعَلُهَا كَسِيْرَة
حَزِيْنَةعِنَدَمّا يَنْقُض عَلَيْهَا الْحَنِيْن وَالْاشْتِيَاق إِلَى الْأَيَّام
الْمَاضِية ، إِلَى الْطُفُوْلَة بِكُل مَا تَحْمِلُه مِن فَرَح وَسُرُوْر
دُوْن سَابِق إِنْذَار لَا يُمْكِن وَصّفَه ، فَتَجِدُني قَد سَرَحَت
وَأَخَذّتُ أَتَخَيَّل وَأَتَذَكَّر كُل لَحْظَة مرِرَت بِهَا فِي طُفُوْلَتِي
وَكَمَا أَتَذَكَّر الْصُّوَر أَسْمَع الْأَصْوَات وَالْصَّخَب الَّلذان يَزِيْداننِي
لَوْعَة وَاشْتِيَاقَا.. وَإِن كَانَت طُفُوْلَتِي لَا تَتَّسِم بِذَاك الْكْم الكبير
مِن الْسَّعَادَة وَرُبَّمَا كَانَت غَيَّر ذَلِك إِلَا أَنَّنِي لَا أَذْكُر مِنْهَا إِلَا
الْقَلِيل مِن اللَّحَظَات الْسَّعِيدَة الَّتِي بَقِيَت عَالْقَة فِي الذِهن وَإِن
كُنْت أَخْشَى أَن تَزُوْل تِلْك الْذِكْرَيَات مِن ذَاكِرَتِي أَمَام هَذَه
الهموم والأحزان التي اسْتَوْطَنت الأعماق، وَعَلَى الْرَّغْم مِن
القدر القليل من السعادة التي حظيت بها ، إلا أنِنِّي أَحِن لِتِلْك
اللَّحَظَات وَيَزِيْد أَلَمِي كُلَّمَا انْزَاحَت عَنِّي تِلْك الْخَيَالَات
وَنَظَرْت إِلَى الْوَاقِع وَأَيْقَنْت أَنَّه لَا سَبِيِل لِي لِلْعَوْدَة إِلَى
الْمَاضِي، كم أَعَشَق تلك الأيام التي كنا نَلْعَبُ فيها وَنَمْرَحُ
وَنخْتَصِم ثُم بَعْد أَن تَقُوْم الْدُّنْيَا وَتَقْعُد مِن أَجْل إِنْهَاء الْخِصَام
الَّذِي بَيْنَنا َتجِدُنا نضْحَكُ وَنعُوْدُ لِلِعْب مَع بَعْضِنا وكَأَن شَيْئا
لَم يُحْدِث !، وكَم أَنْزَعِج عِنْدَمَا أَسْمَع أحدَ الصِبية وَهُو
يُرَدِّد عِبَارَات يُظْهِر فِيْهَا اسْتِعْجَالَه وَرَغْبَتُه فِي أَن يُصْبِح
شَابّا وَرُبَّمَا كَنَت مِّثْلِه فِي يَوْم مِن الْأَيَّام أَتَمَنَّى ذَلِك
إِلَا أَنَّنِي الْآَن مُسْتَعِد أَن أَضل طِفْلَا طِيْلَة حَيَاتِي فَتِلْك هِي
الْجَنَّة فِي حَيَاتِنَا الْدُّنْيَوِيَّة وَمَا سَوَّاهَا فَإِنَّه قِطْعَة مِن الْعَذَاب
إِلَا ذِكْر الْلَّه وَالْقرْب مِنْه ، فَالْعَقْل مَا عَاد كَالْسَّابِق خَالِيَّا مِن
مَشَاكِل الْحَيَاة وصِرَاعَاتِهَا فَمَا تَكَاد تَنْتَهِي مُشْكِلَة حَتَّى تَأْتِي
أُخْتُهَا الَّتِي هِي أَشَد مِنْهَا قُوَّة وَأَكْثَر عُنْفَا كَأَنَّهَا اكْتَسَبَت
الْقُوَّة مَن سَابِقَتِهَا .. ! وَلَن تعود تلك السعادة المفقودة
حَتَّى نُفَارِقَ هَذِه الْحَيَاة وَحِيْنَهَا فَقَط يَنْتَهِي كُل كَدَرٍ وَشَقَاء
إِن رَحِمَنَا الْلَّه بِرَحْمَتِه وَفَتَح لَنَا أَبْوَاب جَنَّتَه وَهَذَا هُو
الَمَأْمُوْل ، أَسْأَل الْلَّه أَلَّا يَحْرِمْنِي وَإِيَّاكُم تِلْك الْسَّعَادَة الْدَّائِمَة
وأن يُفرغ عليَ وعليكم صبراً إلى أن نلقاه ...