الحلم سيد الاخلاق!!!

مما لا خلاف فيه أن الحلم سيد الأخلاق

ولا غرو فإن هذه الفضيلة ينعكس أثرها

انعكاساً إيجابياً على الفرد والجماعة

إذ يسود المجتمع المتمسك بهذه الفضيلة

جو من الأمن ؛ الأمان ؛ الهدوء ؛ الاستقرار ؛

الود ؛ الصفاء ؛ الحب و النقاء

لِما فى هذه الفضيلة من سعة صدر و رحابة قلب

فإذا ما تزرع الإنسان

بهذه الفضيلة أمام من يثيره ويغضبه

فلا شك انه سيغزو قلبه

ويتمكن من نفسه ويحظى بتقديره واحترامه .

وهكذا نرى أثر هذه الفضيلة فخراً

أنها صفة من صفات الحق سبحانه وتعالى

فهو الحليم وصدق الله العظيم إذا يقول

" خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين "

وها هو سيد الخلق أجمعين إمام المرسلين

من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين

من قال فيه المولى عز وجل : " وإنك لعلى خلق عظيم "

من قصر رسالته على الأخلاق

فقال : " إنما بعثتٌ لأتمم مكارم الأخلاق "

من أوصانا بحسن الخلق فقال :

" اتقِ ِ الله حيثما كنت ؛ وأتبع السيئة الحسنه تمحها ؛

وخالق الناس بخلق حسن "

وأنى لأرجو منكم قراءة هذا الحديث بتمعن

علكم تشعرون بما شعرتُ به

حين ما قرأته وآثرتُ أن يكون موضوعى

هذا بسبب هذا الحديث الكريم

يروى أن النبى ( )

اقترض مالاً من رجل يهودى ووعده

أن يرد ماله فى وقت محدود وأجل معلوم ؛ لكن اليهودى

جاء قبل حلول الموعد

وقال يا محمد : أريد مالي .

فقال له الرسول ( ) :

اصبر قليلاً يا أخى حتى يأتي الله بفرج

من عنده ؛ لكن اليهودى لم يطق أن يصبر ولم يمسك لسانه

عن شتم الرسول وإيذائه

وقال له فى محضر من الصحابة : أنكم يا عبد الله قوم مُطّل

"أى مماطلون فى السداد ولا تدفعون الحقوق لأصحابها "

وسمع هذه الكلمات

الفاروق عمر بن الخطاب " رضى الله عنه "

فقال يا رسول الله : مُرنى أن أضرب عُنق هذا الرجل

فقال له النبى ( )

: لا تقل ذلك يا عمر فإنه صاحب حق

ولصاحب الحق مقال ؛ ولقد كنت جديراً

يا عمر أن تفعل أحسن من هذا فتأمرنى بحسن الأداء

وتأمره بحسن التقاضى .

وهنا أدرك اليهودى حلم الرسول وسماحته

فقال له : والله لقد عرفت فيك كل صفة

وصفتك التوراة بها إلا صفة واحدة

وهى ( الحـــــــــــلم ) على من جهل عليك

والإحسان إلى من أساء إليك

ولذلك :

فأنا أشـــــــــهد أن لا إلـه إلا الله وأنــك محمد رسول الله

وصدق الله العظيم إذ يقول " فبما رحمة من الله لنت لهم

ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك

فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر

فإذا عزمت فتوكل على الله "

لا إله إلا الله محمد رسول الله ( )

معنى الحـــلم :

هو ضبط النفس عند هيجان الغضب " عن باعث وسبب ".

أسباب الحلم الباعث على ضبط النفس :

1- الرحمة بالجهال :

قال أبوه الدرداء رضى الله عنه لرجل اسمعه كلاما: يا هذا لا تغرقن فى سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه .

2- القدرة على الانتصار:

روى عن النبى انه قال :
"إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكرا للقدرة عليه "

3- الترفع عن السباب :

وذلك من شرف النفس وعلو الهمة
كما قال الحكماء : شرف النفس ان تحمل المكاره ؛ كما تحمل المكارم.
وقد قيل ان الله تعالى سمى يحيى عليه السلام سيدا لحلمه فالحلم سيد الأخلاق

4- الاستهانة بالمسيء :

حكى عن مصعب بن الزبير انه لما ولى العراق جلس يوما لعطاء الجند وأمر مناديه فنادى : أين عمرو بن جرموز ؟
وهو الذى قتل أباه الزبير فقيل له : أيها الأمير ؛ إنه قد تم تباعد من الأرض فقال له : أو يظن الجاهل انى اقيده بأبى عبد الله ؛ فليظهر آمنا ؛ ليأخذ عطاء موفورا.
قال عمرو بن على :
إذا نطق السفيه فلا تجبه

فخير من إجابته السكوت

سكت عن السفيه فظن أني

عييت عن الجواب وما عييت

5- الاستحياء من الاتصاف بما يتصف به المسىء :

قال بعض الحكماء : احتمال السفيه خير من التحلي بصورته ؛ والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته .

6- التفضل على السباب :

حكى عن الأحنف بن قيس أنه قال : ما عاداني أحد قط إلا أخذت فى أمره بإحدى ثلاث خصال ؛ إن كان أعلى مني عرفت له قدره وإن كان دوني رفعت قدري عنه
وإن كان نظيري تفضلت عليه .

7 - استكفاف الساب وقطع السباب :

كما حكى أن رجلاً قال لضرار بن القعقاع : والله لو قلت واحدة لسمعت عشراً ؛
فقال له ضرار : والله لو قلت عشراً لم تسمع واحدة .

8- الخوف من العقوبة على الجواب :

وهذا يكون من ضعف النفس وربما أوجبه الرأى واقتضاه الحزم .

9- الرعاية ليد سالفة ؛ وحرمة لازمة :

وهذا يكون من الوفاء وحسن العهد

وقد قيل فى منثور الحكم : أكرم الشيم أرعاها للذمم .

10-المكر وتوقع الفرص الخفية :

وهذا يكون من الدهاء ؛ وقد قيل فى منثور الحكم :

من ظهر غضبه قل كيده

وقال بعض الأدباء : غضب الجاهل فى قوله وغضب العاقل فى فعله.

أسباب تسكين الغضب التي يستعان بها على الحلم :

1-أن يذكر الله -عز وجل -

فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ؛ ويبعثه الخوف على الطاعة؛

فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه ؛ فعند ذلك يزول الغضب

قال تعالى " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله "

2-أن يتذكر ما يئول إليه الغضب من ندم ؛ ومذمة الانتقام

قال الشاعر :
وإذا ما اعترتك فى الغضب العزة فاذكر تذلل الاعتذار

3-أن يذكر ثواب العفو وحسن الصفح

فيقهر نفسه على ا لغضب

رغبة فى الجزاء والثواب وحذرا

من استحقاق الذم والعقاب

روى عن النبى ( )

أنه قال : ينادي مناد يوم القيامة :

من له أجر على الله عز وجل فليقم ؛ فيقوم العافون

عن الناس ثم تلا " فمن عفا وأصلح فأجره على الله "

4-أن يذكر انعطاف القلوب عليه وميل النفوس إليه فلا يرى إضاعة ذلك
بتنفير الناس عنه وبعدهم منه فكيف عن متابعة الغضب
فيرغب فى التآلف وجميل الثناء

روى عن النبى ( ) قال :

" ما ازداد أحد بعفو إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله "

ومن الجدير ان نبين ان الحلم أفضل من كظم الغيظ

وذلك لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أى تكلف الحلم

ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من اشتد غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة النفس
ولكن إذا تعدد ذلك مدة صار ذلك

اعتيادا فلا يهيج الغيظ
وإن هاج فلا يكون فى كظمه تعب وهو الحلم الطبيعى

وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب

وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا
قال رسول الله ( ) :

" إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير الخير يعطه

ومن يتوق الشر يوقه "

وأشار بهذا إلى أن اكتساب الحلم طريقة

التحلم أولا

وتكلفه كما أن اكتساب العلم طريقة التعلم .

قال رسول الله ( ) :

اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم

لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه ولا تكونوا من جبابرة

العلماء فيغلب جهلكم حلمكم "

وأشار بهذا إلى أن التكبر والتجبر هو الذى يثير الغضب
ويمنع الحلم واللين ؛ وكان من دعائه
( )

" اللهم أغننى بالعلم وزينى بالحلم وأكرمنى

بالتقوى وجملنى بالعافيه "
وقال أبو هريرة " إن رجلا قال :

يا رسول الله إن لى قرابة أصلهم

ويقطعوننى وأحسن إليهم ويسيئون إلىّ ويجهلون على ّ وأحلم عنهم

قال : إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله

ظهير ما دمت على ذلك "