إن القرون الثمانية التي تلت سقوط بغداد وشهدت إجهاض حملت
معها - على الصعيد العملي– الفكر العربي واحتباسه في ظلمات التقليد انقلابات جذرية هائلة في علاقة الإنسان بالكون وبنفسه ,انقلابات حملت الإنسان إلى القمر من الناحية المادية , وحملته من الناحية الأخلاقية إلى مواقع متقدمة من ممارسات العدل الاجتماعي والإيمان بكرامة الإنسان.
هذه الانقلابات هي التي تواجهنا اليوم بأسئلة شبيهة بتلك التي واجهت أسلافنا بظروف مماثلة في القرنين الثالث والرابع الهجريين.
هل نريد أن نستلهم منطق التاريخ في الصراع من اجل البقاء ؟ وهل نريد الانتساب إلى روح العصر الذي نعيش فيه ؟ والسؤال الأهم هو هل نريد لمؤسساتنا التربوية والعلمية أن تكون مراكب للحاق بالتقدم الإنساني ؟ أم نريدها سدا من التلقينية الكابحة عن مواكبة العصر.
إن العالم الذي نعيش فيه هو عالم جديد تغيرت فيه وحدة المعرفة وطبيعة المجتمعات الإنسانية والنظام الاجتماعي ونظام التفكير , بل لقد تغيرت فيه فكرة المجتمع والثقافة نفسها وان الإنسانية لا تستطيع الرجوع إلى ما كانت عليه في الماضي وان ما هو جديد في هذا العالم ليس جديدا بمعناه انه لم يكن موجودا في السابق و إنما هو جديد لأنه تغير نوعيا , ففي جيل واحد استطاعت معرفتنا بالعالم الطبيعي إن تحيط بمعارف السابقين علينا أجمعين وان تهزها إلى الأعماق, وان تتم ما كان فيها من نقص .
الشيء الجديد في هذا العالم إن الفنون والعلوم والثقافة التي نعيش بها و بين ظهرانينا تضاعفت وتشابكت حتى ارتبط الكون ببعضه ارتباطا وثيقا.
إن النوعية الكونية للعالم أصبحت جديدة, معرفتنا وتعاطفنا مع شعوب بعيدة ومتنوعة وارتباطنا معها في قضايا فعلية التزامنا لهم ومعهم بعلاقات إنسانية كلها أصبحت جديدة.
لقد أثبتت نظرية التطور أن ليس هناك ثوابت في الواقع الاجتماعي للإنسان , ولقد اثبت تاريخ الشعوب المعاصرة إن البشر يستطيعون تصميم نظمهم الاجتماعية عندما يمتلكون العقل المفكر والقوة المدبرة , علما انه من الجدير القول أن المعرفة الحديثة هي بذاتها قوة أو أن القوة المعاصرة هي نوع من أنواع المعرفة ومن اجل ذلك كله ومن اجل أن لا نحرم المساهمة في التغيير لنصنع شيئا جديدا كان إصدار هذا الدليل ليكون لبنة في
مع تحياتي
الحنين