جنيه اللـــــــــــيل!!

هنيهة جن الليل ، وقد خامرت جفوني عتمته العتيقة ...
في الزمن الذي لا ينام ...
وعلى الدروب المستكينة للرقاد .. استعلن وجودي ذاته
فخرجت متنفسا" . . نقاء الهدوء ... وشهد الصمت
مستأنسا" . . بشخوص حافظتي وناس ذكرياتي
فيما خطواتي تضارع إيقاع طبل بطيئ .. لرقصة الخشوع الأخير
ونسمات البرد قد احتملت من قمم الثلج ،
حفنة صقيع ونثرتها على وجهي
فيما أعمدة الضوء في منتصف الطريق قد ارتصفت كاللانهاية ... كدرب وحيد للنجاة ..
وأنا إذ ذاك ...
سمعت صوتا" يحشرج .. في مكان ما ،
فلما بحثت في نظري ...
وجدت طفلة متكورة جنبة الرصيف
و قد ارتسمت ملامحها . . بطلاء الشمس وقشب البرد ، وجعدت الأوساخ خصلا" من شعرها الأشقر القصير
التحفت سترتها الحمراء الممشحة بلطخات السواد والغبار
كمنزل دافئ وكحضن وثير
- اقتربت منها . . . فزادت تكورها خوفا" . . .
سألتها بصوت حان : ماذا تفعلين هنا . . .
فنبست بتمتمات غير مفهومة . . . أشبه ماتكون بمواء قطة من الجن
وهي تلاعب وجهها بأصابعها طويلة الأظافر
توجست من هذه الطفلة ... وتاهت فكرتي بين عطف واستغراب واشمئزار
وفجأة. . صاحت بي بصوت واضح ونبرة وقحة
.. - أريد مال . . أعطني المال -
سألتها . . : هل أنت جائعة
فشبت في وجهي كانقضاض أفعى .. وراحت تعدو . . بسرعة غريبة
باءت طلباتي لها بالوقوف بالفشل ..
فقمت باللحاق بها . . حتى انشرقت أنفاسي . .
وبلغت بيتا" نصف متهدم ذو سقف خشبي وجدران من اللبن ، حين غابت عن نظري . .
رحت استطلع المكان . . مسكونا" برهبة الجهل وحذر المرتاب
بينما الأرضية الممتلئة بكسرات الخشب والأعواد والأكياس ، تتقصف تحت قدمي
وجدت ممرا" في نهايته غرفة مضاءة . . حاولت كتم خطواتي وأنا أعبره ...
وصلت بابها الخشبي . . أزحته بيدي رويدا". . رويدا" وهو يأن بتهدج
فلما انكشف المرأى .. وجدت أن الغرفة تحوي ثلاث قبور أحدهم متهدم .. دب الرعب قلبي من حضرة الموت
كان الضوء في الغرفة آت من شمع قد أوقد على أحد هذه القبور . . لكأنها مزار أو مثوى لأحد الصالحين . .
قررت الانسحاب من المشهد وعودة أدراجي .. لكن الصدفة شاءت أني سمعت حشرجة" تشبه صوت تلك الطفلة . . .
حينها فتحت الباب مرة" أخرى و كلي ظن أنها اختبأت وراء شاهدة أحد تلك القبور
دخلت بهدوء . . مقلبا" نظري دون جدوى
بينما الصوت يقترب و يتضح أكثر . . . .
وللحظة . . اقشعر بها بدني واضطربت نفسيتي . . .
وجدت الطفلة . . .
وقد افترشت حفرة القبر المتهدم . . وغصت في ثبات عميق
راعني الأمر . . حتى جفلت أفكاري . . و تيبست أطرافي
- لقد كانت تلك الطفلة المتشردة تنام في القبر ...
وكأنها تطلب الموت يلتهمها دون استاجبه . .
وكأنها تعرض نفسها عليه أضحية رخيصة . . وسائلة لحوحة . . تناشده الخلاص من شقائها . .
فقد أحبت الموت حتى اطمأنت لجثثه ، واستراحت لحضرته
تقضي ليلها . .بصحبة أرواحه الهائمة و جنه الملعلعين لعواصف الشتاء
- تشاطرها ذاك السرير /القبر / . . قطة قد غفت عند قدميها . . .
جمع بينهم وحدة الحال من التشرد والجوع والفقر
تماما" كما هو الجشع وافتراس القوي للضعيف و عدم الرحمة . . .
قد جمعت بين بني البشر ... وبني الحيوان
- منذ ذلك الوقت وأنا احذر الناس من المشي ليلا" في ذاك الطريق
حتى لا تظهر لهم
جنية الليل‎