البابليون تعاونوا مع الدولة الفارسية في حكم مصر

بدأت فكرة تكوين جمعية تضم الآثاريين العرب في الرياض عام 1998، وعقد أول مؤتمر لها في مقرها بجامعة القاهرة عام 1999. وتضم جمعية الآثاريين العرب الآن المئات من الباحثين والباحثات والعاملين في حقل الآثار، في غالبية الدول العربية.
كانت أرض الرافدين هي أول المناطق العربية التي وقعت تحت سيطرة الفرس عندما سار قورش غرباً، عام 539 قبل الميلاد. وأبقى إمبراطور الفرس كبار الموظفين والنبلاء البابليين في وظائفهم، ونصب نفسه ملكاً على البلاد التي كانت خاضعة للبابليين فأضاف إلى ألقابه لقب «ملك بابل».
كما هاجرت أعداد كبيرة من الفرس في هذه الفترة، للاستيطان في بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات) ولما كانت الآرامية قد أصبحت هي اللغة الدبلوماسية لكل شعوب المنطقة العربية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، استخدمتها الدولة الفارسية في تعاملها مع شعوب المنطقة التي خضعت لسيطرتها. ولذا اعتمدت الإدارة الفارسية على الموظفين البابليين في دولتهم السابقة، في تسيير أمور الدواوين الحكومية في أنحاء الإمبراطورية في بلدان الهلال الخصيب ومصر وعثر على عدد من المكتبات الآرامية في بعض المواقع المصرية في جزيرة فيلة، التي تقع وسط مياه النيل مقابل مدينة أسوان بشمال النوبة، وأبيدوس وتونا الجبل وسقارة بالصعيد وتل المسخوطة شرق الدلتا، تحتوي على العديد من الوثائق المتعلقة بالجاليات العربية في مصر أيام الحكم الفارسي وتبين وجود مهاجرين من فينيقيا وبابل إلى جانب اليهود، في فيلة ومنف.
وكان الرحالة اليوناني هيرودوتوس قد تحدث عن الجالية الفينيقية التي زارها في مدينة منف عاصمة مصر في ذلك الوقت، فذكر «معسكر الصوريين» الذين ساهموا بدور رئيسي في نشاط البحرية المصرية سواء كانت حربية أم تجارية. وبينّت الكتابات الآرامية وجود مجموعة كبيرة من البابليين الذين استخدمهم الفرس لمساعدتهم في أمور الجيش والقضاء. وبينما كان المهاجرون اليونان يتمصرون بمرور الزمن، عن طريق اعتناق الديانات المصرية وقبول عادات المصريين وثقافتهم، ظل البابليون محتفظين بدياناتهم وطابعهم الثقافي الخاص. وتبين من أسماء الأعلام التي أطلقها البابليون على أبنائهم، استمرارهم في عبادة الآلهة البابلية القديمة حيث كانت أسماء مركبة تدخل فيها أسماء هذه المعبودات مثل نبو ومردوك وسين وشمش.
سقوط بابل عندما خرجت جيوش قورش الفارسية في حربها مع القوات البابلية، لم يواجه الفرس مقاومة تذكر إذ كان الضعف قد بدأ يتسلل إلى اوصال الإمبراطورية البابلية منذ وفاة مؤسسها نبوخذ نصر. فقد نشب الصراع على السلطة أولاً بين أفراد العائلة المالكة نفسها، عندما مات أويل مردوخ ابن نبوخذ نصر وخليفته، مقتولاً على يد اخي زوجته الذي استولى على العرش بعد ذلك. ثم تآمر عليهم واحد من أتباعهم هو نبونيدس الذي تمكن من الاستيلاء على الحكم وأصبح هو آخر ملوك الإمبراطورية البابلية التي حكمها 17 سنة وكان نبونيدس مهتماً بالمسائل الدينية والروحية أكثر من اهتمامه بالقضايا السياسية والمعارك الحربية. فترك قصره في بابل إلى ابنه بلشصر وذهب هو ليعيش في مدينة تيماء في شمال الجزيرة العربية. وقد وصل الملك البابلي إلى مدينة تيماء (في شمال السعودية اليوم) وبعدما قتل واليها بنى لنفسه قصراً هناك وأقام به معظم أيام حكمه بعيداً عن عاصمته في بابل وكان السبب الأساسي في هذا التصرف هو أن تيماء كانت مركزاً هاماً لعبادة القمر ولبعض الطقوس التصوفية المتعلقة بهذه العبادة. بل ان نبونيدس سحب جزءاً كبيراً من جيوشه التي كانت ترابط في سورية وفلسطين، وأرسلها لتساهم في بناء معبد للقمر في مدينة حران بشمال ما بين النهرين، مما أضعف السيطرة البابلية على المناطق التي تركها الجنود.
وبينما كان الملك البابلي مشغولاً بالمسائل الدينية، استطاع قورش الفارسي توحيد ممالك إيران تحت سيطرته. إذ كانت الهضبة الإيرانية عندئذ تضم عدة ممالك متفرقة منذ أوائل الألف الأولى قبل الميلاد. وأهم تلك الممالك هي ميديا في الشمال الغربي للبلاد، شرق مملكة آشور العراقية. كما أن مملكة فارس الواقعة في الجنوب الغربي لإيران كانت تنافس ميديا للسيطرة على الأرض الإيرانية. وعندما تمكن قورش من التغلب على ميديا عند منتصف القرن السادس قبل الميلاد. استطاع بعد ذلك ـ لأول مرة في التاريخ ـ توحيد شعوب مجمل الأراضي الإيرانية تحت إمرته. وكان لهذه الوحدة أثر كبير على مصير منطقة الشرق الأوسط كله منذ ذلك التاريخ، إذ خرجت قوات قورش الفارسية بعد ذلك متجهة غربا وعبرت نهر دجلة عند مدينة اربيل الآشورية، وسرعان ما انهارت مدن العراق الشمالية أمام الفرس الغزاة، وأصبحت بابل العاصمة في الجنوب معرضة للخطر. فترك نبونيدس مقره في تيماء وأسرع بالعودة إلى بابل، ولكن الوقت كان قصيراً وعنصر المبادرة صار في أيدي ملك الفرس الذي سرعان ما دخل بابل منتصراً ـ بدون قتال ـ عام 539 ق. م.
ولم تقف حدود الإمبراطورية الفارسية عندما كانت بابل تسيطر عليه من ممالك، فسرعان ما أقدم قمبيز ـ ابن قورش وخليفته ـ على مهاجمة مصر عام 525 ق. م، وهزم الجيش المصري عند، بالوظة، (شمال القنطرة شرق في شمال سيناء) فصار وادي النيل مفتوحاً أمامه. وأصبح قمبيز الفارسي في أواخر القرن السادس قبل العصر المسيحي، هو أول ملك ـ منذ أيام تحتمس الثالث قبل ذلك بحوالي عشرة قرون ـ تخضع له المنطقة الواقعة بين النيل والفرات. ومع اختفاء وحدات المدن السياسية القديمة بسبب السياسة البابلية، أصبحت سورية وفلسطين تمثلان وحدة إدارية وضريبية واحدة أيام الفرس كانت تسمى «عبر النهر»، أصبح لها حاكماً فارسياً واحداً مقره بدمشق ويعين مندوبين له في المناطق المختلفة.
وبينما احتفظت المدن الفينيقية باستقلالها، كان لبعض المدن الفلسطينية مثل أسدود وعسقلان وغزة، بعض الاستقلال وأصبح لمصر حاكم فارسي مستقل يقيم في منف.
ولم تقف الأطماع الفارسية بالسيطرة على العالم القديم عند هذا الحد، فقد تحالف الفرس مع ملوك المدن الفينيقية واستخدموا أساطيل الفينيقيين البحرية في محاولة لغزو الجزر اليونانية، وإن كانوا لم ينجحوا إلا في إخضاع جزيرة قبرص. وطوال حكم ملوك فارس الذي دام قرنين من الزمان وحتى مجيء الاسكندر المقدوني عام 323 ق. م، لم تنشب اي ثورات ضد الحكم الفارسي إلا في فينيقيا وفي مصر. إذ كانت السياسة الآشورية البابلية التي تقضي بضرورة تغيير التركيبة السكانية للمناطق المحتلة، قد أضعفت الوحدات الوطنية المحلية في بلدان الهلال الخصيب وفي ما بين 399 ـ 393 ق. م نشبت ثورة عارمة في المدن الفينيقية ضد الفرس بقيادة ملك صيدا. وعندما استخدم الفرس قوات كبيرة لإخضاع الفينيقيين، رفض هؤلاء الاستسلام أمام العدو وأغلق أهل صيدا أبواب المدينة على أنفسهم ثم أشعلوا فيها النيران، فمات 40 ألف شخص في تلك الحادثة.
البابليون في مصر وأوضح الدكتور صبحي عطية أن الكتابات الآرامية التي عثر عليها، تبين بوضوح أن الفرس أتوا معهم بمجموعات من الأقوام التي خضعت لهم من قبل منطقة الهلال الخصيب. وكان الجنود الذين استخدمهم قورش لتشكيل جيشه ينتمون إلى أجناس عرقية مختلفة، جمعوا من مختلف أنحاء إمبراطوريته. وكان جيش قمبيز يحتوي على عناصر بابلية كثيرة كما نقل الفرس بعض المصريين إلى بابل بصفتهم أسرى حرب وباعوهم عبيداً في سوق النخاسة. وعثر رجال الآثار على عقد مسجل بالخط المسماري البابلي، لامرأة مصرية بيعت في بابل بوصفها من غنائم الحرب. كما ذكر الرحالة الإغريقي هيرودوتوس الذي زار مصر خلال خضوعها للاحتلال الفارسي، إن قمبيز جهز حملته العسكرية على مصر من بين شعوب مملكته وعثر على نص لقائد الأسطول البحري المصري الذي واجه جيوش قمبيز واسمه جاحر رسنت، يقول فيه إن «الملك العظيم لكل البلاد الأجنبية (الإمبراطور) جاء إلى مصر، والأجانب من كل البلاد كانوا معه». وكانت تجمعات البابليين في منطقة أسوان بشمال النوبة، كما سكنوا مع الجالية اليهودية التي جلبها الفرس إلى جزيرة فيلة المقابلة لها وسط مجرى النيل. وسكن البابليون كذلك مع الجاليات الفينيقية الآرامية السورية، في الحي الجنوبي للعاصمة منف. وكانت مهمة الجاليات البابلية واليهودية في فيلة، هي حماية حدود مصر الجنوبية عند هذه النقطة التي تصل إليها مراكب التجارة قادمة من السودان.
وليس هناك من دليل يشير إلى أن أفراد الجالية اليهودية شغلوا مناصب مهمة في الإدارة الفارسية بمصر، إذ كانت هذه الوظائف مقصورة على البابليين وحدهم. وبينما كانت مراتب قيادة حامية فيلة العسكرية في يد الفرس أنفسهم، كثر تعيين البابليين في الرتب الوسطى ووظائف صغار الضباط. بل إن هناك وثائق تظهر أن البابليين تولوا مناصب القضاء كذلك، بينما كان الكتبة الذين يتولون تسجيل الأوامر الإدارية وكتابة عقود الزواج والبيع والشراء، يختارون دائماً من بين البابليين حيث انهم يعرفون قواعد القوانين البابلية التي طبقها الفرس في نواحي الإمبراطورية. هذا وجلب البابليون المهاجرون آلهتهم وعقائدهم الدينية معهم إلى مصر وهناك، يفيد بأنهم تولوا وظائف كهنوتية في هذه المعابد. وقد تزاوج البابليون من الفرس والسوريين واليهود. واحتفظوا بطابعهم الثقافي الذي يختلف عن المصريين، وتشير الوثائق الآرامية التي وجدها الأثريون إلى اشتغال البابليين بالتجارة خاصة مع بلاد الهند، حيث ورد ذكر شخص يسمى «مردوك شمكن» اصطحب قافلة تجارية مكونة من خمسمائة حصان ومائتي بغل وعدد من الجمال والحمير، في رحلة تجارية إلى هذه البلاد.

يسلموووووووووووووووووو للمموضوع

سَلِمَتْ يَداكِ

تحيااااااااااااااااتي

يسلمو روعة
تحياتي